Site icon IMLebanon

شكوك مقلقة حول ضلوع سفارة لبنان في «الهروب الكبير»!

 

فرار غصن إختراق أمني للسلطات اليابانية على أبواب الأولمبياد

 

 

طوكيو تشكو من تلكؤ لبناني في التعاون… والإخفاق الياباني لن تُطوى صفحته قريباً

أزمة جديدة تُصيب لبنان في لحظة حسّاسة، حيث يحتاج فيها إلى خطوات ملموسة من شأنها أن تُعزّز الثقة بالدولة ومؤسساتها وأنظمتها الأمنية والقضائية والمالية، ليس فقط في اتجاه الداخل بمواطنيه الذين فقدوا الأمان والاطمئنان إلى حاضرهم ومستقبلهم، بل أيضاً في اتجاه الخارج.

 

فالمجتمع الدولي تعتريه الشكوك بقدرة لبنان على الخروج من الواقع المأزوم اقتصادياً ومالياً وإدارياً، ورغبة القيمين عليه في السلطة الحاكمة بتغيير النهج الحالي الذي يطغى عليه منطق المحاصصة والزبائنية والفساد والالتفاف على القوانين لتحقيق المكاسب الخاصة والحزبية والفئوية على حساب المصلحة العامة.

 

ففيما كانت الأنظار تتّجه إلى استحقاق تأليف الحكومة لتبيان طبيعة المرحلة المقبلة، وما إذا كان يُمكن أن تحمل معها ملامح انفراجات اقتصادية ومالية، أطلت قضية هروب الرئيس التنفيذي السابق لتحالف نيسان – رينو كارلوس غصن لتطرح أسئلة حول تداعيات مجيئه الى لبنان، بعدما اختار اللجوء إلى بلده الأم، رغم أن الرجل يحمل أيضاً جنسيتين إضافيتين، برازيلية وفرنسية.

 

فعملية فرار غصن من منزله في طوكيو حيث كان يخضع للإقامة الجبرية، بعد فترة طويلة من الاحتجاز بقرار من الادعاء العام وإفراج المحكمة عنه بكفالة مالية كبيرة بلغت نحو 17 مليون دولار وهروبه خارج البلاد، هي عملية معقدة وكبيرة تُشكّل أولاً اختراقاً أمنياً كبيراً للسلطات اليابانية، لا سيما وأن البلاد تستضيف في 2020 الألعاب الأولمبية على أرضها، ما يضع قدراتها الأمنية في حفظ أمن الحدث الرياضي في دائرة الاستهداف. وتشكل ثانياً، مأزقاً قضائياً، إذ إن جدلاً واسعاً حصل في البلاد بعدما اتخذت محكمة دائرة طوكيو قراراً بالإفراج عنه بكفالة، فيما كان يُصرّ الادعاء العام على ضرورة بقائه محتجزاً إلى حين المحاكمة في تهم أربع موجهة إليه، بينها الكسب غير المشروع وفساد مالي، وكان يفترض أن تبدأ جلسات المحاكمة في إحداها في نيسان المقبل.

 

هذا الإخفاق لطوكيو خصوصاً في قضية هي أصلاً تلقى اهتماماً محلياً ودولياً لن تُطوى صفحته سريعاً. السلطات اليابانية بدأت تحقيقاتها وتعمل على جمع الخيوط لكشف حقائق عملية الهروب والبناء عليها في رسم تحركها المقبل.

 

فثمة شكوك في الأوساط اليابانية تتعلق بإمكان أن يكون هناك «دور ما»، من قريب أو بعيد، لسفارة لبنان في طوكيو.

 

فهذه الشكوك تصبح قضية مقلقة بمجرد طرحها، ذلك إما أنها ناجمة عن خيوط أوّلية، أم أنها فرضية ينساق لها التحقيق نتيجة ما تلمسه السلطات القضائية من تلكؤ لبناني مُتعمّد في التعاون، وهو أمر كان يشكو منه الادعاء، إذ كان يعتبر أن السلطات اللبنانية تذرعت بعدم وجود اتفاقية بين اليابان ولبنان لتبادل المتهمين أو المحكومين، للإفلات من التعاون الفعلي، وما تبادلته من رسائل «الحد الأدنى» مع السلطات اليابانية ارتكز على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي وقع عليها البلدان، ولم يكن التباطؤ اللبناني ناتجاً عن رغبة بالتقيد بالقوانين اللبنانية بقدر ما كان ناتجاً عن حسابات داخلية تعود إلى علاقات خاصة مع غصن.

 

لا شك أنه من حق لبنان حماية مواطنيه والدفاع عنهم، خاصة إذا كان المعني هو شخص كارلوس غصن الذي حقق نجاحاً ملموساً كرجل أعمال لبناني في الخارج، وتحوَّل إلى «أيقونة» في اليابان نفسها، حين أنقذ شركة نيسان في فترة قياسية بعدما كانت عُرضة للإقفال، لكن التعاون مع الادعاء الياباني كان ليجلي كثيراً من المسائل العالقة، وكان ليصبّ في النهاية في مصلحة غصن إذا كانت الإجابات لصالحه.

 

وقد تؤول القوانين اللبنانية إلى نفاذ الرجل، وربما وجوده خارج طوكيو سيجعله يكشف أموراً لم يقلها وهو تحت الوصاية اليابانية وبيدها، غير أن ذلك لن يمحي عنه صفة «الهارب» من العدالة، خصوصاً أنه لم يعد بمقدوره السفر، وبات مقيداً بحركته خارج البلاد بعد صدور مذكرة الأنتربول.

 

كما أن أي محاكمة له على الأراضي اللبنانية ووفق القوانين اللبنانية سيبقى مشكوكاً بها، في ظل غياب ثقة الخارج بقدرة القضاء على مواجهة الضغوط السياسية التي قد تُفرض عليه في هذه القضية.

 

المخاوف من تداعيات قضية غصن على لبنان تنطلق من حاجته الماسة إلى ترميم صورته لدى المجتمع الدولي، فيما ينتظر أن تمدّ له الدول المانحة في مؤتمر «سيدر» اليد لانتشاله من القعر، لمنع الانهيار الشامل.

 

والانطلاق من الميزان التجاري مع اليابان لتقييم حجم الضرر الذي قد يقع إذا أدَّت الأزمة الراهنة إلى تدهور العلاقات معها، لا يستقيم، ذلك أن احتساب الضرر في حالة لبنان لا يستند إلى قياس تجاري بين الصادرات والواردات بل إلى ما ستتركه من نتائج سلبية في أعين المجتمع الدولي على الثقة المُنتظرة، خصوصاً إذا ظهر في المستقبل ضلوع جهات لبنانية في عملية هروب غصن أو تغطيتها عملاتياً في أي مرحلة من مراحلها، في ظل اقتناع سائد بقوة على الأقل داخلياً، أن هناك غطاءً سياسياً قد توفّر بقوة للرجل، ولم يكن نشر خبر لقائه رئيس الجمهورية فور وصوله إلى بيروت، إلا لإرسال رسالة واضحة المعالم لمن يعنيهم الأمر!.