لا تظهر عودة الحكومة الى العمل، وسط كم المشاكل التي تواجهها، انها قادرة على مواجهة التحديات. التسريع في الانتخابات الرئاسية قد يكون مدخلاً الى الحفاظ على الكيان الذي لم يعد يحتمل هذا الترف السياسي
يشير الانتظام الظرفي لعمل مجلس الوزراء الى ان جميع الافرقاء سلّموا بأن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور، وان جلسة الثامن من شباط ستكون كسابقاتها، وان الحكومة مستمرة في الحلول محل رئيس الجمهورية.
الانطباع العام يوحي بذلك، لكن مصادر سياسية مطلعة تنظر الى الايام الفاصلة عن الاثنين المقبل، على قاعدة انها يمكن ان تكون دقيقة وحساسة، ليس بالمعنى «اليومي» الذي يتعامل به السياسيون مع ترشيحي رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيه، انما بالمعنى السياسي الذي تتخذه قضية انتخاب رئيس للجمهورية. فالترف الذي يجري التعامل به مع الانتخابات الرئاسية بات مكلفا، في شكل يتعدى ما حصل في الاشهر العشرين الماضية. واستئناف الحكومة الحالية لجلساتها، لا يمكن ان يساهم لوقت طويل في تنفيس الاحتقان السائد ومنع تكاثر الملفات التي يمكن ان تفجر الوضع الداخلي، بدليل استمرار السجالات بين مكونات الحكومات، وما حصل في ملف توظيفات وزارة المال وعودة الحملة التي بدأها امس تكتل التغيير والاصلاح ضد الاجحاف والتهميش والكيدية في التعامل. فحكومة مهترئة بهذا الشكل، وتعمل جزئياً تحت وطأة الضغوط والاعتكافات والمقاطعات، وما مارسته من ارتكابات وموبقات في ملف النفايات، او في ملف متطوعي الدفاع المدني وغيرها الكثير من الملفات الحيوية، لا يمكن ان تواجه اي تحد امني او عسكري او سياسي على مستوى ما هو مقبل على المنطقة، مهما بلغت محاولات «ترقيعها».
وبحسب هذه المصادر، قد تكون هناك فرصة جدية خلال الايام المقبلة لاحداث خرق جدي في الملف الرئاسي يتعدى المناكفات والنكايات الداخلية، اذا كان ثمة وعي فوق العادة للمخاطر التي تستجد يوميا اقليميا ومحليا، يمكن معها النفاذ بانتخابات رئاسية تعيد الاستقرار تدريجاً وتبعد لبنان عن الضغط الامني والسياسي الذي يحيط به.
حكومة مهترئة بهذا الشكل لا يمكن أن تواجه أي تحد مقبل على المنطقة
فمفاوضات جنيف، في ايامها الاولى، ليست سوى خطوة اولى في مسار طويل يستمر اشهرا قبل ان تتبلور آفاق التسوية السورية التي يرعاها الاميركيون والروس. ولن يكون من السهل تطبيق المسار الجديد، من دون اكلاف تدفع يمينا ويسارا على طريق تنفيذه. ولأن لا احد يمكن ان يتنبأ بما تحمله اشهر التسوية من فخاخ وعوائق تضعها امامها الدول الاقليمية المعترضة والممانعة لها، يصبح من الضروري الدخول في تسوية لبنانية سريعة الايقاع لتفادي اي مطبات اقليمية تدخل لبنان في نزاع امني غير محسوب.
والانفلاش الذي بدأ تنظيم «داعش» يحققه على الارض، خارج سوريا، ينذر بمخاوف جدية تتعدى قضية عرسال ومحاولة استمالة الجيش اللبناني لمنع التدخل فيها. فاذا كان الاميركيون الغائبون عن طرابلس الغرب بدأوا يتعاملون مع ليبيا كأولوية لمحاربة «داعش» الذي يتمدد فيها بعد العراق وسوريا، فهذا يعني ان المتغيرات العسكرية باتت تتقدم فعليا في مقاربة الحلول المرسومة للمنطقة. وهو ما يجب ان يكون في صلب مقاربة الملف اللبناني الذي يغرق المسؤولون عنه في متاهات الردود والردود المضادة، والتسريبات العشوائية والمحاضر السرية والمكشوفة.
فتحييد لبنان، عمليا، عن تداعيات ما يرسم لسوريا وتمدد «داعش»، قد يكون حاجة ملحة في الوقت الراهن، اكثر مما كان عليه حتى الان، وهو اكثر الحاحا من مجرد تحييده عبر بيانات الاجتماعات العربية والاسلامية. فالاشهر والاسابيع المقبلة قد تشهد مبدئيا محاولة تطبيق خطة السلام لسوريا، والولايات المتحدة بدأت عملياً مرحلة الانتخابات الرئاسية، ما يساهم تدريجا في تراجعها عن التدخل المباشر في حيثيات الملفات الاقليمية، ما يفترض تبعا لذلك الدخول جديا في ملف الرئاسة اللبنانية. وهذه الانتخابات لم تعد حاجة مسيحية فحسب، في ظل الصراع الاقليمي والطائفي المستعر، بل اصبحت حاجة ماسّة للمكوّنين الاخرين السني والشيعي، اذا كان لدى اي منهما رغبة في الحفاظ على الكيان اللبناني الحالي، او الحفاظ على الحد الادنى من مكتسباته التي تحققها له وجوده في النظام الحالي. ولا سيما تيار المستقبل الذي يعود الفضل في وجوده بهذا الحجم في السلطة منذ عام 2005، على الاقل، الى امساكه بحصة مسيحية اساسية نيابياً وادارياً ووزارياً، وهو يسعى اليوم عبر تسويته الرئاسية الحالية الى الحفاظ على هذه الحصص، ويسعى الى افشال اي تسوية اخرى والتصويب على مصالحة عون، ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، منعاً للتفريط بالمواقع المسيحية التي تضمن له مواجهة خصومه وحلفائه على السواء. ولأنه يرفض القيام بهذه التنازلات على اكثر من مستوى نيابي ووزاري واداري، فانه يسير في تعطيل الانتخابات الرئاسية، رامياً الكرة في ملعب خصومه. واذا سلمنا جدلا ان هؤلاء الخصوم، وحزب الله تحديدا، لا يريد الاستحقاق الرئاسي، وانه قادر على اقناع الرئيس نبيه بري او فرنجيه بانتخاب عون سريعا، فان اي استمرار في تعطيل الانتخابات، من اي جهة اتت، يعني ان مصير النظام اللبناني بات على المحك، وسط المتغيرات التي يمكن ان تصيب الدول المحيطة . واذا كان تطبيق اتفاق الطائف الحقيقي، تحول في الايام الاخيرة عنوانا اساسيا في ادبيات القادة السياسيين، فهذا يفترض ترجمة سريعة، ومبادرة من الذين يصرون على الحفاظ عليه اقليميا ومحليا.
وبعد خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لم تعد السيناريوات الرئاسية متعددة، لا بل ان نصرالله قد يكون فتح الباب امام من يريد التراجع عما حصل في باريس، تحت سقف الطائف والحفاظ على النظام بصيغته الحالية، في رسم سيناريو واحد، سبق للرئيس سعد الحريري ان طرحه قبل عام من الان في «بيت الوسط».