اذا كان الواقع الذي يعيشه اللبنانيون لن ينتج تغييراً في السياسة فهذا يعني ان البلد ذاهب كالخروف الى جزاره. والواقع غنيٌ عن الوصف. يمكن لأي مواطن أو مقيم أن يختصره في لائحة احتياجاته اليومية وتضاؤل قدراته في تلبيتها. واستطراداً في اضمحلال القدرة الشرائية ازاء التحليق المستمر للأسعار ربطاً بالتلاعب المدروس في سعر الدولار.
والواقع هو أيضاً في احتمال الموت بسبب فقدان الدواء وعدم القدرة على دخول المستشفى، وهو في إقفال المؤسسات وانعدام فرص العمل، وانهيار النظام الصحي والتعليمي…
هذا في وصف الحالة من دون الغوص في مسبّباتها. وفي الاسباب سرقة الودائع وتهريب الأموال ونهب الدولة، البقرة التي لم تعد حلوباً، واستنهاش الادارة والتلاعب بالقضاء، وتسليط الميليشيا على الدولة والقبول بتسلطها، ثم ذلك الجشع الذي لا ينتهي الى النفوذ عبر مواقع السلطة.
اللبنانيون يفترض انهم يرون ويعيشون كل ذلك، وليسوا بحاجة لأحد ليخبرهم عنه. هم يراقبون في المقابل كيف يجري سد منافذ الأمل حتى لو كان أملاً كاذباً. فالحكومة التي يُفترض ان تتولى ادارة شؤونهم ومآسيهم ممنوعة، ولا شيء يبرر هذا المنع. لا في الدستور ولا في التقاليد والأعراف ولا في المسؤولية الوطنية التي تصب روحاً في الدستور والقوانين.
يشهد اللبنانيون على مأساتهم ويعرفون ان لا بد من تغيير. اكثرهم يعيش اليوم على مدّخراتٍ بيتية وعلى دعم ابنائهم وعائلاتهم في اوروبا واميركا واستراليا. وهم جميعاً ينتظرون فرصةً لقول رأيهم، والفرصة الوحيدة المتاحة هي الانتخابات النيابية. صحيح ان الميليشيا طوعت نتائج انتخابات سابقة، لكن ذلك سيكون صعباً بعد الكارثة القائمة. سيكون المغتربون واللبنانيون في الخارج نواة التغيير المقبل ورافعته. فهم انقذوا اهلهم في المحنة وعليهم تقع مهمة تخليصهم من مسؤوليهم الكارثيين المارقين.