IMLebanon

اللبناني الهوى..

 

وليد البخاري اسم سيحفظه اللبنانيون طويلاً. أرفع ديبلوماسي سعودي في سفارة المملكة في بيروت هذه الأيام، لكنه في دأبه وحركته يبدو كأنه سفير مميّز واستثنائي مزدوج: لبناني في السعودية. وسعودي في لبنان. ومثله ينجح لأنه على ذلك القدر من النقاء والصفاء وطول الباع بالمهنة وشروطها ومتطلباتها.

 

هذا رجل يمكن «اتهامه» ببساطة تامة أنه لبناني الهوى من دون أن يُنقص ذلك ذرّة واحدة من هويّته الوطنية السعودية. والتزامه المطلق والحاسم والقاطع بموجبات تمثيله لمملكة الحرمين الشريفين وقيادتها وسياستها وإرادتها وتوجّهاتها.. والتي لا تختلف في عمومياتها وتفاصيلها عن المنحى الأبوي والأسري والأخوي الذي يُعَنْوِن السياسة السعودية العامة تجاه لبنان وأهله. والذي يدلّ بدوره مثلما كان الحال على مدى التاريخ، على ثبات أسس وأعمدة السياسة الخارجية للمملكة في الإجمال. حيث تغليب المشتركات على نقائضها. والإيجابيات على السلبيات. واحترام الأصول في التعامل مع الآخرين، والأعراف في العلاقات الدولية. وإيثار البناء والخير والتنمية في العموم. وعدم التدخّل السياسي وغير السياسي في الشؤون الداخلية والذاتية والخاصة للدول الأخرى..

 

تحت هذا السقف الواسع، لم تتردّد ولا تتردّد المملكة في «التدخّل المعاكس». أي القائم على المساندة والمساعدة والمؤازرة حيث يجب. وحيث تقتضي الظروف وأحوال الزمان، وضرورات الأخوّة والإنسانية والحسّ السليم ومكارم الأخلاق.. وحيث تفرض ذلك التدخّل موجبات الحضّ على الاستقرار وحفظ الأمن القومي والدفع باتجاه الاعتدال ولجم التطرّف وسياسات العته والتدمير والانفعال والافتعال.

 

والديبلوماسية السعودية منذ أيام التاريخي الراحل الأمير سعود الفيصل، ومع خلفه اللامع الوزير عادل الجبير، هي ترجمة أمينة وتامّة ودقيقة لتلك السياسات المركزية التي يضع خطوطها العريضة صاحب الشأن وولي الأمر. ولم تتغيّر في مبادئها على مدى العقود الماضية، والتي لطالما قيل ويُقال تكراراً، إنها تجعل مهام ممثّلي المملكة المنتشرين على وسع العالم، سلسة وواضحة وشفّافة وربما مريحة.. باعتبار أن الأجندة واحدة وليست مزدوجة. ومُعلنة وليست موضع تخمين وتبصير. و«نظامية» و«شرعية» وليست شارعية أو مشتملة على الخبث والشرّ والمكائد والتخريب وامتهان سيادة الآخرين وكراماتهم الوطنية الخاصة والعامة.. وتأكدت تلك التوجّهات أكثر فأكثر في ما يخص لبنان تحديداً، مع تكليف المستشار المميّز في الديوان الملكي نزار العلولا برعايتها ومتابعتها.

 

ولبنان في هذه الأجندة العامة ليس حالة خاصة أو استثنائية. بل يسري عليه ما يسري على غيره من تلك المبادئ والسياسات التي تعتمدها الديبلوماسية السعودية، برغم التسليم والإجماع بأنه بلد مُتعب لأهله قبل الآخرين. وبرغم تفلّت البعض فيه نحو إشهار الأذى والكيد باتجاه المجموع العربي وبعض الدولي ولغايات وارتباطات غير وطنية ولا موصولة بالمصالح العليا للبنانيين عموماً.. ومع هذا، فإن الطقم الديبلوماسي السعودي العامل في بيروت وعلى رأسه الوزير المفوّض القائم بالأعمال السفير البخاري نجح وينجح في تبليغ وتنفيذ السياسة المركزية للرياض، وفي شبك علاقات تحت سقف تلك السياسة. وتحت سقف الالتزام التام بأصول التعامل بين الدول. واحترام مبدأ عدم التدخّل في شؤون الآخرين.. وفوق ذلك وقبله وبعده، تحت سقف دعم الاستقرار اللبناني بكل عناوينه، والحضّ على تثبيته وتمتين ركائزه بما يخدم لبنان واللبنانيين أولاً وأساساً ودائماً.

 

السفير البخاري مُترجم ناجح لسياسة ناجحة. ومنفّذ أمين ودقيق لتوجّهات مركزية. وممثّل حصيف لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.. وهواه اللبناني هو حاصل جمع كل تلك المقوّمات زائداً عليها ودٌ آسر وصفاء نيّة يعرفهما الأهل في العادة.. وهو في ذلك يتعامل مع اللبنانيين عموماً باعتبارهم أهل وأخوة وليس أي شيء آخر.