التقاطعات الواضحة بين الكلام لكثير الذي تردد خلال اليومين الماضيين بشأن الازمة التي عكرت صفو المياه الجارية بين «حزب الله» من جهة، وبين القطاع المصرفي اللبناني من جهة ثانية، والذي تم على هامشه تفجير عبوة «فردان» للاصطياد الاضافي في تلك المياه التي كانت جهات سياسية تعمل على تعكيرها بالشكل الذي ينبغي، مستخدمة آلة القطاع المصرفي كسلاح اضافي للحرب على قيادة حزب الله التي ما زالت حتى اللحظة تعتمد الصمت المدوي موقفاً واضحاً وجلياً من متفجرة «بلوم بنك».
فقد صدر كلام كثير يشير الى وقوف بعض الشخصيات السياسية المنضوية في قوى14 آذار وابرزها الرئيس فؤاد السنيورة هي التي تقف وراء تلك الازمة بحسب اوساط متابعة للملف اذ اشارت الى ان التنسيق مع الرقابة المصرفية الاميركية وتنفيذ العقوبات المتعلقة بتمويل الحركات المدرجة على القائمة الاميركية السوداء، لا يتطلب اقفال حسابات مصرفية لمؤسسات واشخاص، وفق مصادر قانونية ترى في ما جرى على هذا المستوى، لغزاً كبيراً يغطي على محاولة جرت في لبنان لاتخاذ اجراءات عقابية قاسية بحق حزب الله لم يصل الاميركي الى طلبها ولا تخوله القوانين الدولية وانظمة المصارف العالمية طلبها أصلاً.
فالأميركي ليس بوسعه ان يطلب من المصارف اللبنانية شطب او تجميد حسابات اشخاص ايا كانوا، حتى ولو كانوا يتبعون حركات ارهابية حقيقية تدرجها الحكومة اللبنانية بهذا المسمّى، كـ«القاعدة» و«النصرة» و«داعش» و«بوكو حرام» وغيرها… كل ما تستطيع الادارة الاميركية ان تطلبه من السلطات اللبنانية في هذا الصدد هو ان تمنع التحويلات بين تلك الحسابات المشبوهة، ولا سيما اذا كانت عملة التحويل هي الدولار الاميركي لان اي عملية تحويل بالدولار الاميركي يجب ان تتحول الى نيويورك، باعتبار ان كل عملية تحويل مالية ستتم عبر عاصمة العملة التي سيتم التحويل بها. اي بما معناه ان التحويلات بالعملات الاخرى سوى الدولار الاميركي لن تذهب الى نيويورك، وبالتالي، لن تكون تحت مجهر الرقابة الاميركية، ولن يكون ثمة مجال للتدخل الاميركي بها.
هذه الآليات المصرفية قد لا تهم بحثنا بقدر ما تعطي صورة حقيقية عن حجم «النفوذ» الاميركي في النظام المصرفي العالمي، وعندما تكون الحكومة اللبنانية مختلفة جذرياً مع الادارة الاميركية في تصنيف «حزب الله» الذي تراه اميركا إرهابياً لمجرد انه قاوم اسرائيل وحرر الارض اللبنانية التي كانت محتلة، في حين ينظر اليه لبنان الشعب والحكومة وكل مؤسسات الدولة كحركة مقاومة شريفة طردت المحتل وقارعت اعداء الوطن وما تزال تحمي الحدود الوطنية، وعلى انها تمثل واحدة من المؤسسات السيادية في البلاد وانها عضو فاعل في كل مؤسسات الدولة الاساسية كمجلسي النواب والوزراء وغيرهما من المؤسسات الحيوية الناظمة للحياة السياسية في لبنان. وهذا التباين في وجهات النظر بين لبنان واميركا يسمح بهامش حرية معين في التعـاطي مع أي قرار اميركي من هذا القبيل فيما لو كان موجوداً، على غرار التصرف الذي ابداه الرئيس نبيه بري في هذا السياق والكلام الذي قاله للمسؤولين الاميركيين الذين زاروه مؤخراً.
في إزاء هذه الازمة وفي ضوء القراءة التي كان يجريها «حزب الله» لذلك القرار ودراسة سبل التعاطي معه وتصنيفه ورؤية ما اذا كان نوعا من الاجتهادات الشخصية لدى مسؤولين معينين او انه فخ خارجي نصب فعلاً لايقاع الفتنة بين القطاع المصرفي وبين «حزب الله» اوما اذا كانت جهة داخلية معنية فعلاً تحاول ان تقدم اوراق اعتمادها للاميركي برفع السقف بوجه الحزب المصنف في خانة اعدائها، او انه فعلاً ثمة شخصيات سياسية لبنانية تعمل بشكل حثيث على ايقاع الفتنة بين الحزب والمصارف، وتحاول استخدام الاميركي للضـغط على المقاومة من خلال التماهي مـع ما يريد في الاطار العام، او ان جهة خارجية فعلا هي التي تحرك الامور في اتجاهـات معـينة للوصول الى احداث فتنة، واذا كانت كذلك فعلاً، فما الذي ترمي اليه في نهاية المطاف؟ في ظل هذه الدراسة التي كانت دوائر الحزب والقريبين منه وكل المتمحورين في خط المقاومة اتت المتفجرة امام المبنى الرئيسي لإدارة بنك لبنان والمهجر في فردان الاحد الماضي لتؤكد بما لا يقبل الشك على ان ثمة جهة تعبث وتحاول النفاذ من هذا الملف لاحداث فتنة بين ابناء الوطن الواحد، وهو ما كان حافزا اضافيا عزز صمت الحزب اكثر فأكثر الى درجة انه لم يجد اي مبرر حتى لأن يدرأ التهمة عن نفسه.