IMLebanon

محرقة أسماء إلى أن تنضج الطبخة

 

 

على الأرجح، لن يضيف الاجتماع الذي عُقد في جدة بين الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان ووزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان والمستشار نزار العلولا والسفير وليد بخاري، شيئاً مُهِمّاً إلى المسار الذي يسلكه الملف اللبناني. فالطرفان أدركا أنّ المشكلة أبعد من قدرتهما على السيطرة.

كانت باريس تحاول جذب السعوديين إلى طرحها الأساسي: رئيس للجمهورية حليف لمحور إيران- دمشق (سليمان فرنجية) مقابل رئيس للحكومة ينتمي إلى المحور المناهض (نواف سلام). لكن هذا الطرح لم يُرضِ إلاّ إيران.

 

وعندما تراجعت عنه باريس لمصلحة الرئيس التوافقي، اصطدمت باعتراض الطرف الأقوى في لبنان، أي «حزب الله» وطهران، وحاولت الخروج من المأزق بركوب موجة الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري. لكن هذا الطرح اصطدم برفض العديد من القوى داخلياً وخارجياً.

 

لذلك، ليست باريس في صدد تسويق أي تسوية حالياً، لا مع المملكة ولا مع سواها. وقد تراجع لودريان عن اللهجة الديبلوماسية التي اعتمدها خلال وساطته على مدى أشهر، وعاد إلى اللهجة التصعيدية والتهديدية التي لطالما استخدمها خلال الأعوام الأربعة الأخيرة في وجه منظومة السلطة في لبنان، مكرّراً اتهامها بالفساد وتعطيل الحلول.

 

ولأنّ اللجنة الخماسية، في اجتماع الدوحة منحت لودريان مهلة محدودة زمنياً لإنتاج التسوية، فإنّ الرجل قام فعلاً بـ«رَفْع العشرة». وبعد اليوم، ستواصل باريس جهودها لمساعدة لبنان، كما كانت دائماً، لكنها ستجيّر لقطر قيادة الوساطة من أجل ابتكار التسوية السياسية.

 

وتَولّي الدوحة زمام الوساطة سيشكّل تحدّياً مزدوجاً:

 

-1 التحدّي لقطر نفسها في القدرة على إيجاد صيغة التسوية التي ترضي أركان اللجنة الخماسية وطهران في آن معاً، أي تحدّي النجاح حيث فشل الفرنسيون.

 

-2 التحدّي للجنة الخماسية بأسرها، لأنّ أي عضو آخر في اللجنة لن يكون مهيأً للاضطلاع بدور الوسيط إذا فشلت قطر. فهي وفرنسا وحدهما من أعضاء اللجنة مصنَّفتان في موقع الوسيط، وقد تكون مصر مقبولة ضمن حدود ضيّقة، لكن الولايات المتحدة والسعودية مصنّفتان في الموقع السياسي الخصم لطهران.

 

فهل ستنجح الوساطة القطرية، ومعها يتمّ إنقاذ اللجنة الخماسية، أم سيتكرّس الفشل؟

 

يتردّد في بعض الأوساط أنّ إيران لا تقيم وزناً كبيراً للحراك الفرنسي والقطري المعلن رسمياً، بل هي تقيم جسور اتصال من تحت الطاولة، بطرق مباشرة وغير مباشرة، مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

 

وفي لحظة معينة، قد تظهر نتائج هذا التواصل وتفاجئ الجميع، سواء في ما يتعلق بعلاقات إيران الثنائية مع واشنطن والرياض، أو في ما يتعلق بمسار الأزمات الإقليمية التي تنخرط فيها إيران عضوياً، ومنها لبنان. وعندذاك سيكون دور الوسيط القطري محصوراً برعاية التسوية الجاهزة مسبقاً، وإيجاد المخارج التنفيذية المناسبة لها، أي رعاية «الدوحة 2».

 

وثمة علامات بالغة الأهمية تظهر اليوم في الشرق الأوسط، ولا بدّ أن تترك بصماتها على ملفاته الساخنة، ومنها ملف لبنان ومستقبل أمن الحدود والطاقة. وأبرز هذه العلامات توجُّه المملكة العربية السعودية الجادّ نحو معالجة مسألتين: التطبيع مع إيران من جهة، والتطبيع مع إسرائيل من جهة أخرى. وكذلك، إصرار إدارة الرئيس جو بايدن على إبرام صفقة أو صفقات مع إيران، بدلاً من مواجهتها.

 

لذلك، وما دام اللعب ناشطاً من خلف الستارة لا من أمامها، فقد تولد التسوية في لبنان في أي لحظة وتفاجئ الكثيرين، فيما اللبنانيون يملأون الوقت الضائع بالثرثرة السياسية، كما اعتادوا، وبالمناكفات والنكايات والتقاتل على غنائم المرحلة المقبلة بعدما استُنفدت غنائم المرحلة السابقة.

 

وطبعاً، في هذا الخضم، لن يفوِّت وجهاء الموارنة فرصتهم ليستدرجوا العروض أمام الأقوياء، لعلّهم يربحون «اللوتو» الرئاسية. ولكن، على الأرجح، لا أحد في العالم مستعجل على تحديد الأسم لرئاسة الجمهورية.

 

ففي الدرجة الأولى، يُفترض أن يتكوَّن توافق دولي- إقليمي على المصلحة في إنجاز تسوية سياسية في لبنان. وبعد ذلك، سيتمّ رسم خارطة القوى التي ستأتي بها هذه التسوية، والتي تشمل رئيساً للجمهورية وحكومة جديدة وأموراً كثيرة أخرى معلنة وغير معلنة. وفي ضوء الاتفاق على مواصفات الرئيس، تتمّ التسمية.

 

هذا يعني عملياً أنّ غالبية الأسماء التي يغصّ بها الإعلام، منذ عام وحتى اليوم، ربما يكون مقصوداً تسريبها وتداولها بهدف إحتراقها وملء الوقت الضائع، ريثما تنضج التسوية فعلاً.

 

وفي لحظة معينة، سيسقط الاسم على الجميع. وقد يكون واحداً من هذه الأسماء المتداولة، أو يكون ورقة مطوية لم تخطر في بال أحد. ولذلك، قبل السؤال عمّن سيكون رئيساً للجمهورية، يجدر السؤال: أي رئيس سيتمّ التوافق عليه، لأي جمهورية؟