يبقى الفراغ الرئاسي سيد الموقف، في ظل تمسك القوى اللبنانية المعنية بانتخاب الرئيس بمواقفها، على وقع الحركة المرتقبة لاطراف في “الخماسية” العربية والدولية، التي تتحرك في الوقت الضائع بانتظار انتهاء الحرب في غزة. من هنا، فان اي حركة او مسعى لن يكتب له النجاح ما لم تتوسع مروحة مشاوراته، وتعدل تكتيكات العمل واستراتيجيته، لضمان التوافق السياسي اللازم والنصاب الدستوري المطلوب. اللافت، على هذا الصعيد، ان لا مؤشرات حقيقية على احداث خرق في جدار الملف الرئاسي المقفل رغم المساعي الخارجية، لانه اصبح مرتبطا تلقائيا بالحرب الدائرة في غزة وموازين القوى التي ستفرزها، وستنعكس حكما على المنطقة برمتها ومن ضمنها لبنان.علما ان اجتماع “اللجنة الخماسية” على مستوى سفراء دولها في لبنان ، عكس مؤشرات سلبية لجهة عدم انعقاد اعضاء اللجنة الحقيقيين، رغم دفعه بالقاهرة الى الواجهة.
مصادر ديبلوماسية في بيروت كشفت ان استنهاض الدور المصري واخراجه الى العلن، يعود الى عدة اسباب، ابرزها:
– الاختلاف الذي حكم مساعي “اللجنة الخماسية”، بدليل ان كلا من فرنسا وقطر تتحركان على حدة، ومن ضمن رؤيتين متعارضتين. كما ان لأميركا والسعودية نظرتين مختلفتين عن الآخرين، علما انهما المؤثرتان في ملء الشغور الرئاسي ولهما كلمة الفصل في الملف. اضافة الى ان لكل من الفرقاء اللبنانيين موقفه من الاستحقاق، قوى تريد الحوار واخرى ترفضه تحت الف حجة وعنوان.
– رغبة اميركية بموافقة المملكة العربية السعودية على ان يكون الاخراج الرئاسي اللبناني عن طريق مصر، على غرار ما حصل في تسوية ال2008 التي طبخت في القاهرة ، والتي اوصلت قائد الجيش حينذاك العماد ميشال سليمان الى بعبدا، وان جاءت “التخريجة” من الدوحة، بعدما قررت الرياض التراجع خطوة الى الخلف، وان تكون طرفا.
– محاولة اميركا تقديم الورقة اللبنانية كجزرة للقاهرة، في ظل الدور الكبير الذي يؤديه الرئيس السيسي في ما خص الحرب القائمة في غزة، وتعويضا عن الازمة التي تعيشها مصر نتيجة احداث البحر الاحمر، والتي اثرت بشكل كبير في قناة السويس، ما انعكس سلبا على الاقتصاد المصري.
– الازمة الصامتة بين واشنطن والدوحة، التي انتجت تراجعا لدور الاخيرة لبنانيا على خلفية حرب طوفان الاقصى، والتي بدأت تخرج الى العلن ، وفي آخر تجلياتها اقفال احد اعرق الجامعات الاميركية لفرعها في الدوحة، بحجة عدم الاستقرار في المنطقة ورد قطر على الامر، والذي ان دل على شيء، فعلى ان الازمة بين البلدين باتت عميقة والاختلاف في السياسي هو في اوجه، حيث يعيد البعض احد اسباب الازمة الى الملف اللبناني ووقوف واشنطن الى جانب باريس، وافشالها الاندفاعة القطرية في الملف الرئاسي اكثر من مرة.
– العلاقة التي تربط بين القاهرة ودمشق، والتي برزت طوال الازمة السورية، ما يسمح لمصر بتأدية دور اساسي في لبنان في حال استطاعت ان “تمون” على “سنّة سوريا” في لبنان، وهو ما يعطي القاهرة دورا متقدما على هذه الساحة، ويسمح لها بخلق توازن جديد قادر على احداث خرق اساسي.
ازاء ذلك ، ترى المصادر ان القاهرة باشرت تطبيق استراتيجيتها بالتنسيق مع باريس على ما يبدو، حيث علم ان خطوط التواصل بين باريس والقاهرة، مع زيارة اكثر من مسؤول فرنسي العاصمة المصرية بعيدا عن الاعلام، حيث جرت مناقشة الملف اللبناني بتفاصيله، كذلك شهدت الرياض حركة مصرية لافتة، حيث زارها على ما تردد رئيس المخابرات المصرية وعقد سلسلة من اللقاءات، تناولت بجانب اساسي منها الملف اللبناني.
واكدت المصادر ان الغاء وزير الخارجية المصرية زيارته الى لبنان يعود لاسباب سياسية، اذ ان ادارة الاخير ترغب بان يحمل معه “معطيات” تتعلق بملفي الحدود الجنوبية ورئاسة الجمهورية، خصوصا ان مدير المخابرات المصرية كان سبق وزار بيروت منذ ايام ،والتقى مسؤولين في حزب الله ونقل رسائل واضحة.
وختمت المصادر بان مدير وكالة الاستخبارات الاميركية وليام بيرنز الموجود في القاهرة سيعقد سلسلة اجتماعات مع نظيره المصري تتعلق بالوضع اللبناني والتصور المصري للحل، بعدما شارف الفريق المكلف الملف اللبناني وضع مبادرة سياسية، ترتكزعلى المبادئ التي اقرتها “خماسية” باريس في ما خص الملف الرئاسي اللبناني، على ان تقوم القاهرة بتسويقها لبنانيا بالتنسيق مع بكركي.