Site icon IMLebanon

فرنسا تُقدِّم الملف اللبناني درجات في سُلَّم أولوياتها

 

ميزان القوى لن يسمح لأي فريق بالتفرُّد بانتخاب رئيس

 

 

يبدو أن باريس قررت تغيير قواعد الاهتمام بالملف اللبناني وهي تتجه الى تقديمه درجات في سلّم أولوياتها الخارجية، بعد أن بدأ الخوف ينتابها من أن تتدحرج الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في لبنان الى درجة قد تتحوّل الى انفلات أمني يسبقه انفجار اجتماعي على نطاق واسع.

 

وترجمة لارتفاع منسوب الاهتمام الفرنسي بلبنان تقوم السفيرة آن غريو بحركة اتصالات ومشاورات باتجاه القوى السياسية الفاعلة لاطلاعها على ما تحضره بلادها من دور جديد للوصول الى تسوية رئاسية يتفرع عنها تأليف حكومة جديدة، والشروع في معالجة الأزمة الاقتصادية.

بالتأكيد إن التحرك الفرنسي الجدي لم يكن ليحصل لو لم يكن الرئيس ايمانويل ماكرون قد تلقى الضوء الاخضر الاقليمي والدولي للعب الدور الأساسي في حل الأزمة في لبنان، حيث ووفق بعض المعلومات فإن الرئيس الفرنسي قد يوفد ممثلاً له الى لبنان لعرض الافكار الفرنسية الآيلة الى الخروج من الأزمة، وإن إعطاء الاليزيه اشارة الانطلاق لموفدها الى لبنان ينتظر بعض الوقت لبلورة الصورة اكثر، ولكي يكون التحرك الجديد مبنيا على أسس متينة من شأنها إحداث خرق واسع في جدار الازمة والانتقال من حالة المراوحة التي تزيد الامور تعقيدا يوماً بعد يوم.

واذا كانت جلسة الانتخاب الحادية عشرة المقررة الخميس لن تختلف عما سبقها من جلسات في ظل ميزان القوى السياسية تحت قبة البرلمان والذي لا يسمح لأي فريق بالتفرد بانتخاب رئيس للجمهورية، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يقف اليوم في موقع المراقب بعد ان رُفضت دعوته الحوارية، يستعد للانتقال من هذا الموقع الى موقع الساعي الى تأمين المناخات الملائمة لجلوس الاطراف السياسية على الطاولة والاتفاق على الشخصية التي ستتولى رئاسة الجمهورية، وهو وفق المعلومات يقوم باتصالات ومشاورات مع بعض القوى السياسية ودبلوماسيين بغية بلورة تصوّر ما يكون بمثابة الحجر الذي يُرمى في المياه الرئاسية الراكدة، ولا سيما ان رئيس المجلس يرى بأن الوضع في لبنان، على ما هو عليه، لا يستطيع ان يتحمل اكثر من اسابيع حيث ان الارباك والتخبّط المالي والاقتصادي وصل الى درجة بات معه الخوف مبرراً من انفلات الاوضاع من عقالها والذهاب بالبلاد والعباد الى ما لا تحمد عقباه.

في هذا السياق، يؤكد مصدر سياسي استحالة انتخاب رئيس من دون حصول توافق داخلي عن طريق الحوار كون ان العلة التي تحول دون حصول عملية الانتخاب معروفة وهي التركيبة السياسية الموجودة داخل مجلس النواب، بحيث انه لا يستطيع فريق سياسي لوحده تأمين النصاب وإتمام عملية الانتخاب، ولذا، والكلام للمصادر، فإن العامل الداخلي للانتخاب معطل بالكامل من دون الركون الى الحوار، وبالتالي فإن الأمل معقود على العامل الخارجي الذي ما زال بدوره غير متوافر، وإن كان البعض من القوى السياسية يرى بأن الاتكال على الخارج للخروج من المأزق الرئاسي في غير محله.

وتوقفت هذه المصادر أمام رسالة التهنئة التي وجهتها السفيرة الفرنسية بمناسبة الأعياد والتي تضمنت تطمينات فرنسية واضحة للبنانيين، بأن باريس الى جانبهم من خلال التذكير بأهمية استقرار لبنان وازدهاره كبداية استراتيجية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ونشرت المصادر ما تضمنته الرسالة الفرنسية بأنه اشارة واضحة الى ان باريس بصدد القيام بما يلزم من اجل منع لبنان من الانزلاق الى الفوضى، وهي ربما تلجأ مع قابل الأيام الى تعديل خطة تحرّكها تجاه لبنان، إن عن طريق اتصالات الرئيس ماكرون مع الدول المعنية والفاعلة بالملف اللبناني، أو عن طريق التشاور مع القوى السياسية اللبنانية، وأن هذا التحرك ما زال المنفذ الوحيد الذي يُؤمل منه ان يؤدي في نهاية المطاف الى التوصل الى تسوية سياسية تُنهي الوضع القائم في لبنان.

 

وفي مقابل ذلك فان المصادر رجحت ان تبقى مفاعيل الأزمة السياسية قائمة على الوضعين النقدي والمعيشي، وبالتالي فان المخاوف لا تزال موجودة من امكانية تفاقم الوضع الاقتصادي اكثر فأكثر طالما المأزق السياسي موجود، وهذا يعني أن اللبنانيين سيكونون في الأيام المقبلة امام مرحلة جديدة من المتغيرات المعيشية والاقتصادية وهذا الأمر سيزيد من ارقام اللبنانيين الذين باتوا عاجزين عن مواجهة متطلبات الحياة، كما انه يزيد من منسوب عمليات النشل والجريمة التي سجلت ارتفاعاً ملحوظاً مع نهاية العام المنصرم،وكل ذلك ناشئ عن تردي الوضع الاجتماعي الذي لم يعد له من سقف، ولا سيما أن تنفيذ ما تضمنته الموازنة العامة للعام 2022 والذي بدأ مفعوله بالسريان زاد الطين بلة على احوال المواطنين وعلى قدرتهم الشرائية في ظل انسحاب ارتفاع الأسعار على كل شيء بدءاً من المواد الغذائية وانتهاءً بإنجاز المعاملات الإدارية.