عُرف اللبنانيون حول العالم، بأفكارهم الريادية والإبتكارية، وبإنجازاتهم ونجاحاتهم في كل المجالات والقطاعات الإنتاجية، لكن عُرفوا أولاً وأساساً بمرونتهم الفريدة وعزيمتهم لمواجهة كل الأزمات خلال السنوات والعقود الماضية.
عُرف شعبنا الجبّار بأنّه شعب لا يستسلم ولا يموت، لكن هل أصبحت هذه المرونة المعروفة دولياً ونقطة قوتنا، نقطة ضعف يستفيد منها السياسيون، ويختبؤون وراءها، ويتّكلون عليها متهرّبين من مسؤولياتهم لتأمين أقل الحاجات الأساسية والبديهية من قبل هذه الدولة الهشّة، والإستفادة أكثر من هذا الشعب المنكوب والمذلول؟
الشعب اللبناني أعاد بناء ذاته أثناء وبعد إنتهاء الحرب الأهلية الكارثية، ما بين عامي 1975 – 1990، وأعاد البناء ما بعد الحرب العدوانية في تموز 2006، وأعاد بناء عاصمته ما بعد الإنفجار الإجرامي الذي ضرب بيروت في 4 آب 2020، ويُحاول إعادة بناء إقتصاده ما بعد أكبر أزمة إقتصادية، إجتماعية، مالية ونقدية في تاريخ العالم منذ نحو 5 سنوات.
حين دُمّرت مؤسسة كهرباء لبنان، أعاد أضاءة منازله بالمولّدات الخاصة، وعندما انقطع الفيول لجأ إلى الطاقة الشمسية، وعندما إنقطعت الإتصالات لجأ إلى اللاسلكي، والشبكة الدولية، وعندما إنقطعت المياه لجأ إلى الصهاريج، وعندما دُمّرت المدارس والجامعات الرسمية حافظ على أعلى مستويات التعليم في المدارس والجامعات الخاصة، وتابع تقدّمه حتى في المستشفيات والطب.
لا شك في أنّ اللبنانيين قد حُرموا من بنى تحتية دائمة التي سُرقت وهُدمت مرّات عدة، لكن بنى اللبنانيون بمرونتهم بُنى تحتية خاصة، لتأمين حاجاتهم الأساسية، فاعتاد اللبنانيون على أن يتكّلوا على أنفسهم في ظل غياب دولة تؤمّن أي حاجات أو أي متطلبات ضرورية. هذه الدولة نفسها التي أفسدت مصارفها وهدرت وسرقت أموال الشعب الذي لا يزال يُواجه الأزمات، ولم ولن يستسلم.
فلا شك في أنّ المرونة اللبنانية هي نقطة قوة معروف عنها دولياً، ونفخر ونتمسك بها، لكن داخلياً هذه المرونة قد أصبحت نقطة ضعف يتكّل عليها السياسيون الفاسدون ويختبؤون وراءها هاربين من مسؤولياتهم، ويستغلّون مرونة اللبنانيين لهدر الوقت، أو كسب وقت إضافي، من إنتخابات إلى أخرى، ويتبارون على المنصّات، ويهنّؤون أنفسهم بهذه المرونة التي لا تشبههم، ولا تعنيهم إلّا لمصالحهم الشخصية، وأجنداتهم الإنتخابية.
فمرونة اللبنانيين أصبحت نقطة قوة للسياسيين ليتباروا أمام المجتمع الدولي بأنّ إقتصاد لبنان أعاد بناءه، ويستعملون حتى هذه الورقة في مفاوضات عقيمة مع صندوق النقد الدولي أو مع البلدان المانحة. ومن جهة أخرى، يتابعون التدمير الذاتي من دون أي نيّة للإصلاح أو لإعادة الهيكلة.
في المحصّلة، نفخر بأنّ الشعب اللبناني هو شعب لم ولن يستسلم، ولم ولن يموت، وستبقى مرونتنا معروف عنها دولياً، ونجاحاتنا تجول حول العالم، لكن مرونتنا هي ملك وحق الشعب ولا غير، ولا نقبل ولن نسمح بأن تُسرق منّا هذه الميزة المعروفة، وتُستخدم لأغراض سياسية ووعود وهمية يتكلّ عليها السياسيون ليغطّوا فشلهم الفادح.