جرت إنتخابات نقابة المحامين بطريقة سلسة وسط منافسة بين المرشحين إنتهت بفوز ناضر كسبار بمركز نقيب المحامين في بيروت.
في الشكل، حملت إنتخابات المحامين أكثر من دلالة، إذ إن النقابة أثبتت أنه على رغم الإنهيار الحاصل في البلد لا تزال هناك مساحة من الديموقراطية يستطيع المواطن التعبير من خلالها عن رأيه.
أما النقطة الثانية فهي أن الإستحقاقات الإنتخابية يجب ان تحترم ولا تعمد السلطة الى تأجيلها تحت عناوين عدّة هدفها ضرب الحياة الديموقراطية. وتأتي عملية تداول السلطة في نقابة المحامين كمؤشّر يجب أن يسري على كل المراكز المهمة سواء كانت نقابية أو سياسية، وبالتالي لا يوجد مركز مُطوّب باسم أحد. أما في المضمون، فان إنتخابات نقابة المحامين تشكّل أهم نموذج سياسي للإنتخابات النقابية، فبيروت “أم الشرائع”، وقد لعبت تلك النقابة دوراً مهمّاً في تطوير الحياة السياسية اللبنانية، وكانت في واجهة النضال أثناء فترة الإحتلال السوري.
وفي قراءة لنتائج الإنتخابات، فان المرحلة الأولى سجّلت سقوط أغلب مرشحي “التيار الوطني الحرّ” والمجتمع المدني، ولم يستطع الأخير نقل تجربة نقابة المهندسين إلى المحامين، في وقت تلطى بعض الأحزاب والقوى تحت شعار “المستقلين”.
وفي ما خصّ إنتخابات النقيب، فقد انحصرت المنافسة بين ناضر كسبار وعبدو لحّود، ومعروف عن كسبار أنه محام وسطي وصديق الكل وليست لديه مواقف نافرة في نقابة تعتبر سياسية بامتياز، بينما لحّود فهو شمعوني الهوى وكان عضواً فاعلاً في الأمانة العامة لقوى 14 آذار ومواقفه واضحة من الملفات السيادية وبعيد كل البعد عن الشعبويّة.
وفي حين حصل كسبار على تأييد كل من “حزب الله” وحركة “امل” و”الكتائب” وتيارات “المردة” و”التيار الوطني الحر” و”المستقبل” وأغلبية جماعات “المجتمع المدني”، أعلنت “القوات اللبنانية” علناً دعم لحّود بسبب عمله المهني ومواقفه السيادية فنال كسبار 1530 صوتاً وحصد لحّود 1035 صوتاً.
وفي قراءة لنتائج الإنتخابات والتحالفات، فان المفاجأة كانت في دعم “الكتائب” لكسبار الذي أخذ كل أصوات أحزاب وتيارات السلطة والتي يخرج رئيس “الكتائب” سامي الجميل يومياً ويعلن أنه يعمل على إسقاط المنظومة الحاكمة ويدعو الجميع للإنضمام إليه.
وبما انّ إنتخابات نقابة المحامين هي سياسية بامتياز، فانه لا وجود للمواقف الرمادية، إذ إنّ لحّود هو مرشّح سيادي بامتياز وحائز على دعم حزب “القوات”، في حين أن المعركة الكبرى كانت توجب على “الكتائب” أن تكون في الخندق نفسه مع “القوات” لا ان تتحالف مع “حزب الله” و”امل” و”التيار” ومن تصنفهم بأنهم أحزاب سلطة.
ومن جهة ثانية، فان إيصال مرشّح سيادي لمركز نقيب واضح التوجهات يخدم المشروع الأكبر وهو مواجهة منطق “الدويلة”، في حين أن ما حصل في إنتخابات النقابة يطرح علامات إستفهام حول إمكانية توحيد القوى السيادية لخوض الإنتخابات النيابية، بينما يبدو أن الحسابات الضيقة لا تزال تتحكّم ببعضهم. وبالنسبة إلى لغة الأرقام، فان نيل المرشّح لحود المدعوم من “القوات” 1035 صوتاً (40 بالمئة من إجمالي الأصوات) يعني أن الرأي العام يميل إلى الخطّ السيادي وأن “القوات” تملك قوّة تجييرية كبيرة في نقابة المحامين وهذا قد يشكّل مؤشّراً للإنتخابات النيابية بعدما كان للحزب تجربة ناجحة في إنتخابات الجامعات.
ومن جهة ثانية فان دعم كل أحزاب السلطة ومعهم حزب الكتائب والمجتمع المدني لكسبار لم يمنحه أكثر من 60 في المئة من الأصوات، ما يدلّ على تراجع تلك القوى أمام الخطاب السيادي الواضح والإصلاحي في آن واحد.
قد تكون “القوات” غير قادرة على حصد المراكز لوحدها بسبب محاولة تطويقها، لكن الأرقام تثبت تقدمها داخل الإستحقاقات الإنتخابية وفشل سياسة التطويق والعزل.