طالعنا الصحافي الأستاذ معروف الدّاعوق في مقال له في جريدة «اللواء» بعنوان «مسؤولية جعجع بوصول عون للرئاسة» بمجموعة مغالطات حاول فيها دسّ السمّ بالعسل. وحاول في مقاله هذا تحميل رئيس حزب القوّات اللبنانيّة مسؤوليّة ما آلت إليه الأوضاع بسبب انتخابه الرئيس عون كما زعم الأستاذ الدّاعوق.
فاتّهم الأستاذ معروف الحكيم بـ«الخوض في تبعات تفاهم معراب الذي وقعّه مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عام٢٠١٦». وأغفل الأستاذ الدّاعوق بأنّ الحكيم لم يتوانَ في قراءة نقديّة ذاتيّة علنيّة يوم قال بأنّه اعتقد أنّ تبعات انتخاب الرئيس عون لن تكون أسوأ من تبعات الفراغ الرئاسي إن طال أكثر من سنتين، وقال يومها أيضًا بأنّه لم يُصِب في تقديره هذا، لأنّ الفراغ مهما كان سيّئًا لن يكون أسوأ حالاً ممّا وصلنا إليه.
ولا يبدو بأنّ حدسه الرّقابي للشارع اللبناني انتخابيًّا صائبٌ. فالشارع ليس بحاجة إلى تسعير ضدّ خطّ التيار لأنّه عاين ولمس لمس اليد أين أوصلنا هذا النّهج من خلال طريقة حكم قامت على التعاطي الزبائني والمحاصصاتي فتمّ ضرب العمل المؤسّساتي عن بكرة أبيه. وفاته أنّ القوّات جلّ ما قامت به هو تثبيتها لنتائج الإنتخابات التي أعطت العماد عون وتيّاره ما نسبته 70% من أصوات المسيحيّين.
قوى 14 آذار التزمت بسمير جعجع كمرشّح لرئاسة الجمهوريّة، كما ذكرت حضرتك بأنّ الفراغ لا يمكن ان يستمرّ وهنالك ضرورة لإنهائه. فالحقيقة أنّ سمير جعجع كان مع بقاء الأمور كما هي عليه؛ لكن بما أنّ الأمور فرضت رئيسًا من قوى 8 آذار، وبالطبع هذا ليس الخيار القوّاتي، مع علم الحكيم المسبق باستحالة وصول أيّ مرشّح من 14 آذار للرئاسة، فمحاولة الحكيم كانت بربط النزاع مع ترشيح عون توصّلا إلى تراجع حزب الله عن ترشيحه. وهذا ما لم يحصل.
ولمّا أصبحنا أمام الأمر الواقع ذهبنا إلى رئيس من 8 آذار. فيما كانت محاولة القوّات بإحضار عون إلى 14 آذار من خلال وثيقة النقاط العشر التي تتحدّث عن سيادة الدولة ووحدة السلاح والحياد والحفاظ على الدّستور. وأصرّينا في تلك المرحلة بأن يكون الرئيس الحريري رئيس كلّ الحكومات؛ على أن تكون القوى التي شكّلت أقطاب 14 آذار عماد هذه الحكومات وذلك لإقامة توازن استراتيجي بوجه حزب الله. وللتذكير فقط حاولنا تعطيل ترشيح العماد عون عندما كان مرشّح الحريري من خلال علاقاتنا الدوليّة والإقليميّة، فعندها ذهب الرئيس الحريري إلى ترشيح الوزير فرنجيّة. وبما أننا لا نسمح بأن تمرّ الرئاسة من غير أبواب معراب، ولأنّنا لم نرشّح غير الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة، رشّحنا الرئيس عون من بوابة معراب، لأنّ الحريري صار أقرب إلى الفريق الآخر، وبقي جعجع وحده في المواجهة.
المسؤوليّة في إيصال الرئيس عون تقع على عاتق الناس الذين أعطوه هذا الحجم التمثيلي. ولا يلامون لأنّه نجح بإعلامه «الغوبلزيّ» بتهشيم صورة الخصم السياسيّ أي القوّات، وبضخّ كمّ هائل من الشعارات الشعبويّة الاصلاحيّة التي يترقّبها أيّ مواطن في لبنان. أمّا النتيجة فكانت انغماس هذا الفريق بالفساد اكثر فأكثر. والملامة الكبرى تقع على من أبرم التسويات مع الرئيس عون وقدّم التنازلات لحزب الله، التنازل تلو الآخر، ليبقى في صلب الحياة السياسيّة تحت ذريعة درء الفتنة. فوقعت الفتنة على تخوم عين الرمانة وخلدة وشويًّا وترك هو نفسه الحياة السياسيّة بالكامل.
ما فعله «الحكيم» بحقّ اللبنانيّين في اتّفاق معراب كان دمل جرح بلغ عمره أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. وكلّما كانت تقترب فترة استحقاق سياسيّ ما، كنّا نشهد أبواق فريق الممانعة تعمل على نكء هذا الجرح في محاولة لتحسين صورة التيار، لا سيّما في الزمن الباسيليّ الفاشل في المستويات جميعها، بحكم مبرم من الناس الذين قالوا كلمة سواء في 17 تشرين 2019. يكفيه فخرًا سمير جعجع أنّه اعتذر من اللبنانيّين جميعهم عن الأخطاء غير المبرّرة التي ارتكبَت في الحرب البغيضة في قدّاس شهداء المقاومة اللبنانيّة في 21 أيلول 2008، في السنة نفسها بعدما غزا حزب الله بيروت واستباح عرضها الأزرق.
المشكلة يا أستاذ معروف لا تتعلّق بشخص الرئيس عون فحسب، بل بنهج من الحكم بلغ من العمر أكثر من ثلاثة عقود. فصحيح أنّ للشخص تأثيره وحضوره السياسيّين، لكن هذا النهج الذي قاده فريق واحد عمل على تنسيق المحاصصة على قاعدة درء الفتنة، هو الذي أوصل لبنان إلى جهنّم. وللتذكير أيضًا في تلك المرحلة رفض سمير جعجع طلب الرئيس الفرنسي بتسمية السفير أديب. فقناعتنا في تلك المرحلة بأن لا شراكة مع هذا العهد. تمامًا كقناعتنا بعدم انتخاب رئيس في تلك الظروف. ولو لم تنتخبه القوات كان سيصل بسبب توجّه بعض أقطاب 14 آذار آنذاك بضرورة انتخاب رئيس الجمهوريّة.
من المفيد التذكّر أيضًا أنّه فيما لو قرّر الرئيس الحريري المواجهة واستجاب للإستقالة الميثاقيّة التي دعت إليها القوّات اللبنانيّة من البرلمان لكان أُسقِطَ هذا البرلمان بالذات بعد ثورة تشرين بالضربة الميثاقيّة، وجرت انتخابات مبكرة استجابت لمطالب النّاس الذين ثاروا مطالبين بالتغيير الحقيقي. لكن النهج المهادناتي هو الذي أوصل البلد حيثما وصل إليه. هذا التفاهم الذي وقِّعَ إنّما وقِّعَ بين طرفين متنازعين، فهل كان من المفترض أن توقّع القوّات تفاهمًا مع حزب الخضر مثلاً ليرضى الأستاذ الدّاعوق؟
أمّا بالنسبة إلى موضوع الرئاسة فالحكيم هو مرشّح طبيعيّ وتمثيليّ للرئاسة؛ ولم يدّعِ يومًا بأنّه قويّ لأنّنا عاينّا مفاعيل الرئيس القوي. والتقاتل المزعوم على الحصص الذي أشار إليه الأستاذ والذي ردّ إليه سبب خلاف طرفي اتّفاق معراب إنّما سببه الحقيقي إصرار فريق الوزير باسيل على الخروج عن الأصول الدّستوريّة والقانونيّة المتعارف عليها لا سيّما في ما يتعلّق بالعقود بالتراضي والخروج عن أصول دائرة المناقصات وذلك لمتابعة نهج إفلاس الدّولة لصالح الدويلة وللمكاسب الشخصيّة.
الخطأ التاريخي الوحيد الذي ارتُكِبَ في هذه المرحلة هو مهادنة الشيطان الأصفر والخوف من مواجهته بالإيمان الكياني في لبنان الحرّيّة. يا أستاذنا الكريم، تاريخ سمير جعجع حافل بالمواجهات المستحيلة، وبالمؤامرات عليه لإظهاره فاشلاً؛ لكنّ الحقيقة ساطعة كشمس أيّار الدافئة. وهو ليس بحاجة لركوب أيّ موجة ثورويّة لأنّ القوّات هي كانت وستبقى الثورة الحقيقيّة. ويكفي أن نستذكر ما قاله سمير جعجع في 5 أيلول 2021 في معراب :«نتائج رئاسة الرئيس ميشال عون كارثية، فإنّنا نأسف أشدّ الأسف أن تنقلب خطوة كانت مشبعة بكلّ نوايانا الحسنة، إلى مأساة لم يعرف لبنان لها مثيلاً».