كان يمكن لخميس استشارات التكليف النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية بنتائجها ان يكون «خميس أسرار» تنكشف اليوم في نتائج هذه الاستشارات، لكن جاء موقف «القوات اللبنانية» الممتنع عن التسمية ليكشف كل الأسرار ويصبّ في مصلحة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، لتعذّر اتفاق الأفرقاء غير المؤيّدين له على تأمين كمّ الأصوات الكافي لتسمية منافسه السفير نواف سلام، الذي لم يعلن شخصياً بعد أنّه مرشح لتولّي المركز الثالث في هرم السلطة.
بخروج «القوات اللبنانية» عن العزف على وتر التكليف وإعلان انّها لن تسمّي احداً لتأليف الحكومة الجديدة في الاستشارات النيابية الملزمة المقرّرة اليوم، سيؤول هذا التكليف حتماً إلى ميقاتي، متقدّماً بأشواط كبيرة على منافسه سلام، بالغاً ما بلغ عدد الأصوات التي سينالها في هذه الاستشارات.
وبعيداً عمّا إذا كان موقف «القوات» ينطوي في ما ينطوي على خلفيات اقليمية ودولية تتصل بما يدور من مفاوضات على جبهات عدة، ونظرة أطرافها العرب والأجانب إلى مستقبل الوضع اللبناني في ضوئها، فإنّ بعض الراسخين في علم السياسة اللبنانية خرجوا في ضوء الموقف «القواتي» عشية استشارات التكليف اليوم بالاستنتاجات الآتية:
1- انّ لا تدخّل سعودياً حصل او يحصل في الاستحقاق الحكومي، وانّ المملكة العربية السعودية تؤيّد إعادة تكليف ميقاتي، أو على الاقل، لا تمانع في هذا التكليف، او أنّها على الاقل، تقف على الحياد، وانّ حركة اللقاءات والمشاورات التي أجراها سفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان وليد البخاري كانت تتصل بمستقبل العلاقات اللبنانية ـ السعودية التي تحتاج إلى تطوير وتعزيز، بعد الأزمة التي عصفت بها قبل بضعة اشهر، بدليل انّ اللقاءات التي عقدها تجاوزت النواب والسياسيين إلى لقاءات مع ديبلوماسيين عرب وأجانب ومفكّرين وموسيقيين.
والبعض يقول، انّ الرياض ومعها كثير من العواصم العربية والدولية التي تتبعت الانتخابات النيابية ونتائجها، تولّي الأهمية بعدها لاستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية المقرّرة بين مطلع ايلول ونهاية تشرين الاول المقبل، حيث تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون الذي لم تكن العلاقة بينه وبين بعضها سوية او مزدهرة لاعتبارات كثيرة، لعلّ أبرزها تحالفه مع «حزب الله» والمحور العربي والاقليمي الذي ينتمي اليه.
2- أظهر موقف «القوات» انّ القوى التي تسمّي نفسها «معارضة» هي قوى مفكّكة باعتراف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، علماً انّ كثيرين يتساءلون كيف انّ هذه القوى سمّت نفسها معارضة من الآن، في الوقت الذي لم تتكون بعد السلطة الجديدة التي يفترض ان تنشأ في ضوء نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة،، وكأنّ هذه القوى قرّرت مسبقاً الّا تكون جزءاً من هذه السلطة، وحتى الّا تكون هي السلطة نفسها لو قُيض لها ذلك.
3- انّ «القوات اللبنانية» قرّرت على ما يبدو البقاء في موقع الاستقالة من السلطة، الذي كانت اتخذته منذ خروج وزرائها من حكومة الرئيس سعد الحريري، إلى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد، لاعتقادها انّ لا طائل من مشاركتها في أي سلطة او حكومة في الاشهر القليلة المتبقية من ولاية رئيس الجمهورية التي تنتهي في31 تشرين الاول المقبل، وربما لاعتقادها ايضاً انّ الرئيس المكلّف، سواء كان ميقاتي او سلام، لن يتمكن من تأليف حكومة جديدة، وانّ حكومة تصريف الاعمال ستبقى تصرّف الاعمال ورئيسها مكلّفاّ تأليف بديل منها إلى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد لا تراه «القوات» ميسراً او قريباً، خصوصاً إن كانت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد تبدأ في اول ايلول المقبل.
كما انّ إحجام «القوات» عن التسمية يؤكّد جملة حقائق أبرزها الآتي:
– انّ «لواقط» رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لم تنجح هذه المرة في قراءة واستكشاف طبيعة المرحلة محلياً واقليمياً ودولياً، وانّ ذهابه إلى القرار بتسمية نواف سلام ارتكز على قراءات خاطئة أخرجته من موقع «بيضة القبان» التي بدأ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ينافسه عليه. وفيما البعض تكهن في انّ موقف «القوات» قد يدفع «اللقاء الديموقراطي» الى التراجع اليوم عن تسمية سلام والاستدارة نحو ميقاتي، فإنّ عارفين بجنبلاط ومعنيين بالاستحقاق الحكومي يستبعدون هذا الامر بتاتاً، لأنّه يعرّض صدقيته و«اللقاء» أمام الرأي العام، سواء كان يؤيّد تسمية سلام او يعارضها.
– انّ موقف «القوات» أوقع باسيل وتكتله النيابي «لبنان القوي» في اضطراب وحيرة، ووضعه أمام ثلاثة خيارات: إما ان يذهب إلى تسمية سلام كـ»بدل من ضائع» من «القوات» مكايدة لميقاتي، وهذا يضعه في مواجهة مع «الثنائي الشيعي» الذي يؤيّد تسمية ميقاتي. وإما أن يتراجع ويذهب إلى تسمية الاخير في الاستشارات نزولاً عند رغبة «حزب الله» الذي عمل ويعمل على إقناعه بهذه التسمية. وإما الذهاب الى الامتناع عن التسمية، معتقداً انّ التسمية من عدمها لن تفيد طالما انّ التأليف سيكون متعذّراً، من وجهة نظره، وانّ من المفضّل لديه انتظار ما سيؤول اليه مصير الاستحقاق الرئاسي وما يطرحه البعض من سيناريوهات مفادها، انّ في إمكان عون البقاء في سدّة الرئاسة إذا بقيت حكومة تصريف الاعمال حتى نهاية ولايته وعدم تأليف حكومة جديدة، وهو الذي قال قبل اشهر انّه لن يسلّم الرئاسة للفراغ، في اعتبار انّ حكومة تصريف الاعمال لا تستطيع تولّي صلاحيات رئاسة الجمهورية التي ينص الدستور ان تتولّاها حكومة اصيلة مثل ما كانت حال حكومة الرئيس تمام سلام في نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان.
التحدّي الكبير
وفي أي حال، يقول البعض، انّ التحدّي الكبير أمام ميقاتي الذي سيُكلّف رسمياً اليوم، سيكون استحقاق تأليف الحكومة الجديدة في ظلّ المعطيات والاجواء التي توحي بأنّ هذه المهمة لن تكون سهلة إن لم تكن مستحيلة، لأنّ عدداً من القوى السياسية سيستنكف عن المشاركة في الحكومة العتيدة وعلى رأسها «القوات» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«التيار الوطني الحر» على حدّ ما يعلنون في بياناتهم منذ صيرورة الحكومة الحالية حكومة تصريف اعمال مع بداية ولاية المجلس النيابي مهماته في 22 ايار الفائت.
لكن المتفائلين في هذا المجال يتوقعون ان يشكّل ميقاتي حكومة تشبه حكومته الحالية إذا تعذّر ان تكون حكومة جامعة لكل الوان الطيف النيابي والسياسي اللبناني، لأنهّ مقتنع بوجوب ان تتولّى حكومة دستورية كاملة مهمّة التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية، حتى إذا تعذّر الانتخاب لعلة ما، تتولّى صلاحيات رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية عون، إلى حين انتخاب رئيس جديد مهما طال الزمن. على ان تتابع هذه الحكومة ما بدأته الحكومة الحالية من خطط للاصلاح والانقاذ وإقرار موازنة الدولة للسنة الحالية وتحضير موازنة السنة المقبلة، وتعمل على وضع الاتفاق المبدئي مع صندوق الدولي قيد التنفيذ العملي، والاستفادة من الدعم الفرنسي في تحريك مقررات مؤتمر «سيدر» وغيرها، وكذلك العمل ما أمكن على تعزيز العلاقات مع الدول العربية ولا سيما منها السعودية والخليجية عموما، وتسييل هذا الامر دعماً يمكّن لبنان من إمرار المرحلة الفاصلة عن استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية بأقل خسائر ممكنة.