Site icon IMLebanon

«إنجاز» القوات في إفشال التيار: كتلة «فينا وبدنا» … غير مستعجلة

 

 

«نحنا فينا نوقف السرقة»، «…نضوّي البلد»، «… نستعيد السيادة»، «… ما نرضخ للسلاح»، «… نحرّر الدولة»، «… نرجّع أموال المودعين»… هذه، وغيرها، الشعارات التي خاض حزب القوات اللبنانية معركته الانتخابية تحت عنوان أوسع وأشمل: «نحنا فينا ونحنا بدنا». وقد نجحت هذه الحملة التسويقية، بالفعل، في محاكاة رغبات الشارع المسيحي المُثقل بجريمة انفجار المرفأ وأحداث الطيونة وما رُوّج له عن «وضع لبنان تحت الاحتلال الإيراني». «قطف» القواتيون 18 نائباً، وكان يفترض أن يبدأ قطاف الناخبين ثمار هذه الوعود. لكن، مرّت ثلاثة استحقاقات دستورية في مواقع تؤثّر في صلب القرارات السياسية والتشريعية، من انتخاب رئيس لمجلس النواب الى انتخاب نائب له وأمين سرّ الى تسمية رئيس حكومة، من دون أن يظهر أي تأثير لكتلة «فينا وبدنا». وإلى هذه الاستحقاقات، برزت مشكلة ترسيم الحدود مع محاولة العدو الإسرائيلي بدء استخراج الغاز، وأعدّت جمعية المصارف خطة لاستكمال السطو على أموال المودعين، وقطعت مافيا المطاحن والأفران الخبز عن المواطن…. وهذه كلها، مع ارتفاع سعر صرف الدولار، أمور وعد جعجع بمعالجتها فور فوزه بالتمثيل المسيحي، قبل أن يتبيّن أن كتلة «فينا وبدنا… مش مستعجلة»! فالقوات لن تشارك في الحكومة، وستقوم بدور «المعارض الشرس»، ووفقاً لمصادر قواتية، «كل الحلول والبرامج مؤجلة الى ما بعد انتهاء عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، إذ يصعب إنجاز أي شيء في ظل هذا الحكم»، وإن «مسار التعافي طويل ويحتاج الى تغيير سياسي رئاسي ووزاري، وإلا فإن الأزمة ستعيد إنتاج نفسها بوجوه جديدة. لذلك العمل السياسي يبدأ بعد أيلول المقبل». لكن، ماذا إن لم يجر الاستحقاق الرئاسي في موعده، واستمرت الحكومة في تصريف الأعمال لأشهر وسط تضاعف الأزمة الاقتصادية والانهيار؟ هل يحتمل المواطن الانتظار والتعلّق مجدداً بوعود القوات إنقاذه بعد أشهر؟

 

في الموازين السياسية، جعجع هو «الرابح الأكبر» من الانتخابات النيابية، لكنه أول الخارجين معزولاً منها من دون أي حليف حقيقي لتقريش هذا الفوز. بدا ذلك جلياً في عدم قدرته حتى على استمالة أصوات حلفائه وخصوم التيار الوطني الحر للتصويت للنائب زياد حواط في وجه النائب آلان عون على موقع أمين سر مجلس النواب، وعدم قدرته على تشكيل لوبي للتسويق للنائب غسان حاصباني لموقع نائب الرئيس. رَفْض النواب التغييريين التحالف مع القوات، وتبديد حلم جعجع بالتحكم بالأكثرية البرلمانية، دفعاه للعودة الى الواقعية السياسية وإعادة نسج التحالفات السياسية نفسها مع الحزب الاشتراكي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. من هنا، لم يكن عدم ترشيح السفير نواف سلام لمنصب رئيس الحكومة من باب عدم الاطلاع على برنامجه. فقد سبق للقوات أن رشحته بمعزل عن ذلك. إلا أن الورقة البيضاء ساهمت في قطع الطريق على استخدام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أصوات كتلته للضغط على ميقاتي، وكردّ جميل للأخير نتيجة فوز النائب القواتي الياس خوري بما يحمله هذا الفوز من أهمية في طرابلس. وتشير مصادر مطّلعة على الاجتماعات بين ممثلين عن جعجع وجنبلاط وميقاتي الى اتفاق ضمني على «اللعبة السياسية» في الأشهر الثلاثة المقبلة. والتعويل الأساسي هنا يقع على ميقاتي الذي يرى فيه كل من جنبلاط وجعجع رجل المواجهة الأشرس في وجه كل من عون وباسيل، والوحيد القادر على إيصال عون الى نهاية عهده في أضعف وضع ممكن وبما يشبه نهاية حقبة حكم أمين الجميل. لا همّ، هنا، بما سيحل بالوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ولا بسعر صرف الدولار أو عملية الإفقار الممنهجة للمواطنين.

 

 

لطالما كان رئيس حزب القوات يهتم بردّ الفعل لا الفعل. لا مشروع ولا برنامج ولا طروحات، مجرد ردود أفعال مذيّلة بشعارات رنانة وتنظيم استثنائي غالباً ما يكون دافعها الأساسي ربح الوقت والهروب الى الأمام؛ وهذه «ميزة» حكمت معارك جعجع في زمن الحرب والسلم، لتحقيق حلم قديم بزعامة الشارع المسيحي. لذلك كانت مشاركة القوات في البرلمانات والحكومات سلبية غير منتجة، تتركز على إحباط برامج الكتل الأخرى وبشكل خاص الكتل المسيحية من التيار الى الكتائب الى المردة، وتقديم فشل الآخرين على أنه الإنجاز القواتي. الهروب الى الأمام اليوم يدفع بجعجع الى التعويل على ثلاث نقاط:

1- لا تغيير في ظل عهد عون لمنعه من الخروج بأي ربح ولو صغير، بل تمرير الوقت في رهان على تطورات المنطقة والسفارات، ولا سيما السعودية من أجل الضغط على النواب التغييريين والمستقلين في معركة رئاسة الجمهورية المقبلة. وإذ يدرك جعجع جيداً أن لا فرصة له للوصول إلى بعبدا، إلا أنه يعوّل على توفر أكثرية بقوة الضغط السعودي والغربي لفرض رئيس جمهورية يسميه بنفسه أو يتبنّاه. وهو انتصار يوازي انتصاره الشخصي.

 

2- النقطة الأولى هي فاتحة مرحلة جديدة يعدّها جعجع مرحلته الذهبية، حيث سيكون قادراً على التأثير في شكل الحكومة المقبلة ورئيسها وبرنامجها وسيشارك فيها فارضاً شروطه، وأحدها عدم مشاركة حزب الله وحذف المقاومة من البيان الوزاري.

3- في حال تعذّر تنفيذ النقطتين لسبب ما، عندها سيدخل النظام السياسي كله في حالة شلل لن تنتهي سوى بإعادة إنتاج نظام جديد مبنيّ على اللامركزية الإدارية والتقسيم.