توازن القوى داخلياً وخارجياً هو عنوان معركة رئاسيات 2022. في هذا الاستحقاق الأكثرية النيابية مشرذمة، فيما الأقلية أكثر اصطفافاً وحضوراً. والقوات اللبنانية تقول بوضوح إنها تعمل على حوار مع المعارضة لإيصال رئيس أو منع وصول رئيس
حتى الآن لا يزال الحراك الرئاسي بطيئاً، رغم بعض الإطلالات التي يراد منها تهيئة الجو السياسي. لكن بعد العشرين من الشهر الجاري، يبدأ النشاط الرئاسي، محلياً وخارجياً.
خارجياً، لم يمسك بعد القطبان الإيراني والسعودي ملف الرئاسة من باب التفاوض وجوجلة الأفكار، كل طرف مع حلفائه الإقليميين والدوليين. سعودياً، بعدما رست العلاقة مع باريس على تفاهم حول خطوات رئاسية منسقة، لا تزال الرياض تتريث في الدخول في هذا الملف بوضوح وبخطى علنية. ما يحصل هو استمزاج آراء وجس نبض لا أكثر حتى الساعة. وقد تكون عودة السفير وليد البخاري إلى الرياض، أول إشارة إلى ما يمكن أن تطلقه السعودية من دخول مباشر في استحقاق رئاسة الجمهورية وكيفية خوضها. وما يمكن استخلاصه، أن الرياض المتريثة حتى الآن، لم تضع مع حلفائها خطة عمل واضحة حول طريقة خوض معركة الرئاسة وصولاً إلى اختيار الاسم المطلوب. لكن ما يُعوّل عليها أمران، هما ضبط إيقاع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والنواب السنة الذين يسعى الرئيس سعد الحريري إلى استقطابهم في معركة رئاسة الجمهورية إلى أكثر الخيارات معارضة لخيارات حلفاء الأمس وعلى رأسهم القوات.
في المقابل، بدأت القوى المعارضة لحزب الله تحضير الأرضية الصالحة إلى أن يقترب موعد الأول من أيلول بداية المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، وفي هذا الإطار، أعدت القوات اللبنانية خطوات سياسية تصعيدية، بعد كلام رئيسها سمير جعجع. تنطلق القوات من قاعدة أن هناك اتجاهين أساسيين يشكلان عصباً قوياً في ملف الرئاسة: حزب الله الذي يمسك قرار حلفائه، والمعارضة التي لا تزال حتى الآن مشرذمة في التعاطي مع ملف الرئاسة انطلاقاً من مجموعة حسابات. والقوات ترى نفسها الطرف الأكثر تماسكاً لجهة اتخاذ القرار ورسم استراتيجية خوض المعركة. لكنها في الوقت نفسه مدركة أن الاستحقاق يحتاج إلى تكاتف المعارضة في وجه حزب الله وحلفائه. لذا كان الحد الأول في الاستراتيجية هي التحضير لوصول رئيس تتفق عليه قوى المعارضة، أي القوات والمستقلون والتغييريون والحزب التقدمي الاشتراكي، إذا كان يمكن احتسابه في صفوف المعارضة، من أجل وضع برنامج عمل واضح. بدأت الاتصالات بين القوات وبعض النواب التغييريين خارج الاجتماعات الموسعة لهؤلاء، وهي لا تزال في بدايتها، لكنها تعبر حكماً عن اتجاه لدى نواب من القوى التغييرية إلى فتح قنوات اتصال مع القوات. وهذا الأمر يختلفون به مع بعض زملائهم الذين لا يزالون ضائعين في تحديد خيارات وقواسم مشتركة مع جميع المعارضين، واعتبارهم القوات أو الاشتراكي أو حتى الكتائب جزءاً من السلطة. في حين أن هذا الرأي لا يمثل إجماعاً لدى النواب الـ13.
في موازاة ذلك بدأت الاتصالات على خط المستقلين، وهي مبدئياً أسهل لجهة التلاقي على عناوين سياسية مشتركة، واللقاءات بدأت بوتيرة متسارعة، بين النواب المستقلين ومعراب ونواب من القوات على قواعد واضحة. علماً أن موضوع طرح الترشيحات لا يزال في بداياته وسط جوجلة أسماء وطموحات نواب مستقلين إلى وضع أنفسهم على لائحة الأفضل حظاً. في المقابل، ورغم أن العلاقة مع التقدمي الاشتراكي لم تنقطع على مستوى التواصل الإفرادي بين المكلفين المتابعة من الطرفين، إلا أن البحث الجدي على مستوى القيادتين لم يتعد الاتصالات الأولية ويرجح الانطلاق به جدياً في غضون أيام، رغم السقف العالي الذي طبع الردود المتبادلة بين القوات والاشتراكي.
طرفان سياسيان لم يبدأ الكلام معهما فيه هما الكتائب الذي يفضل رئيسه سامي الجميل حالياً التريث في مقاربة وضع القوات الانتخابي، والثاني هو التيار الوطني الحر. والحوار بين التيار والقوات مقطوع، وإذا كان سيحصل فلن يتم ذلك إلا بعد 31 تشرين الأول. فالتيار ما قبل هذا التاريخ سيكون غير ما عليه بعد انتهاء العهد. وأي تقارب مع التيار سيكون حكماً سببه فشل اللقاءات مع القوى التغييرية والمعارضة بمجملها. من هنا لا يظهر حتى الساعة سوى بداية توتر وتصعيد بينهما، والقوات مدركة لمغزى الحملة التي يشنها التيار الوطني حالياً، وهي كما تقول لن تسمح بدفن الجمهورية، وكانت تتمنى أن يكون التيار حارس الجمهورية لكن ما حصل أنه صنع قبراً لها كي يحرسه.
تضع القوات أمامها أمرين علنيين، الأول الوصول إلى 67 نائباً من أجل اختيار الرئيس الجديد، والحد الثاني منع وصول أي مرشح لحزب الله، أي تأمين العدد الكافي من الأصوات التعطيلية. ولهذا السبب تعول على الاتصالات مع كافة الأفرقاء لضمان هذا العدد وتبدي خشيتها من تسرب أصوات من المعارضة في اتجاه المقلب الآخر. يبقى أن بكركي تشكل ثابتة من بين الأطراف الأساسيين، وتتحول العلاقة معها في ملف رئاسة الجمهورية أمراً ثابتاً. فهناك اتصالات شبه يومية بين جعجع والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، والطريق بين بكركي ومعراب بحسب القوات عريضة وواسعة مفتوحة على مصراعيها والتنسيق قائم في ملف الرئاسة كما التدقيق بالمواصفات والأسماء وشروط النجاح لمعركة الرئاسة. علماً أن الراعي والقوات يعرفان تماماً خلفيات ما حصل في ملف المطران موسى الحاج ومن هم «الموارنة الذين كانوا وراء هذه القضية».