لم تنكر القوّات اللبنانية يوماً أنها ساهمت في وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، ولم تكن هي الطرف الوحيد الذي ساهم في ذلك فهناك أيضاً تيار المستقبل الذي يرأسه الرئيس سعد الحريري وكان قد باشر اتّصالاته مع العماد عون قبل القوّات اللبنانية، ولكنّ المساهم الأكبر في وصول الجنرال إلى سدّة الرئاسة كان «حزب الله» الذي فرض شغوراً رئاسياً استمرّ لسنتين ونصف السنة.
اليوم يحاول كثيرون رمي مسؤولية ما وصلت إليه البلاد على القوّات اللبنانية، متناسين عمداً الأطراف الأخرى التي ساهمت في وصول العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، ومتّخذين من هذه المقولة ذريعة لأنفسهم من أجل تبرير ما سيقدمون عليه في المستقبل القريب من تأييد لمرشحين رئاسيين يناقضون كلّ العناوين التي غشّوا أنصارهم بها في خلال الانتخابات النيابية تحت يافطة السيادة والإصلاح.
في داخل المجتمع المسيحي كانت المصالحة بين القوّات اللبنانية والعماد ميشال عون، مطلباً أساسياً يردّده الصغير والكبير، وقد أتى تفاهم معراب تكريساً لهذه المصالحة حتى ولو تضمّن تقاسم نفوذ وكأن الأطراف الأخرى والطوائف الأخرى لا تتقاسم النفوذ والمصالح بين أحزابها وقياداتها فتبيح لنفسها ما تنكره على المسيحيّين، ورغم ذلك لم تدم تلك المصالحة طويلاً وسقطت في عملية استفراد وإلغاء جديدة.
لا تتحمّل القوّات اللبنانية وزر فشل عهد العماد ميشال عون فهي في خلال السنوات الـ6 لهذا العهد لم تكن مشاركة في كل الحكومات، وحين شاركت لم تشكل أكثرية في داخل أي حكومة ولم تكن صاحبة القرار على مستوى مجلس الوزراء ولم يكن لها القدرة على خرق التسوية التي نسجها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل والتي عاشت أطول بكثير مما عاشه تفاهم معراب وعليها بنيت الانتخابات النيابية في العام 2018 و»صوتي لصديقي جبران»، والأهم لم يكن لها القدرة على تعطيل تشكيل الحكومات والمشاريع، ولم تكن القوّات من اتّهم الرئيس نبيه برّي بالفساد ثم خاضت الانتخابات النيابية معه، ولم تكن القوّات من أرسلت نائباً من الصقور لتمثيلها في ذكرى تغييب الإمام الصدر وجلس في حضرة الرئيس نبيه برّي يستمع لهجاء في العهد والتيار ويستمرّ حاضراً من دون أن يرفّ له جفن.
ليست القوّات اللبنانية من تتحمّل مسؤولية فشل العهد في خلافه الدائم مع كل الأطراف السياسية وتحديداً حركة أمل، وتسجيل امتعاض من وقوف حليفه «حزب الله» إلى جانب الحركة.
يخيّل للبعض أن القوّات اللبنانية هي التي كانت طوال هذه السنوات الست وفي السنوات الماضية منذ العام 2005 في قصر بعبدا، ويخيّل لهذا البعض أيضاً أن القوّات اللبنانية هي التي شكلت الحكومات منذ العام 2005 حتى اليوم وكانت تتحكّم بعرش السراي الحكومي، ويخيّل للبعض من مسيحيين وتيار مستقبل وحزب تقدمي إشتراكي أن لا مسؤولية عليهم في ما وصل إليه لبنان وكل تقلباتهم وصفقاتهم وسياساتهم ساهمت في إيصال لبنان إلى الانهيار الحالي حتى صحّ فيهم قول السيد المسيح: «يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!» (مت 7: 5).