Site icon IMLebanon

استراتيجيّة التوازن السلبيّ

 

في الزمن الذي كان فيه النظام السوري في أوجّ قوته، تعاطى مع اللبنانيين بشكل عام باستخدام استراتيجية خلق التوازنات السلبية بين أفرقائهم وبيئاتهم، وقد مثّلت هذه السياسة التهديد الحقيقي للمناطق الحرّة من لبنان التي كانت تحت سيطرة القوى اللبنانية السيادية المُواجهة له، بدءاً بالكتائب ثم قوى “الجبهة اللبنانية” ومن ثم “القوات اللبنانية”، فركّز على سياسة تقوية بعض القوى المسيحية بهدف إضعاف هذه الجبهة الرافضة لتدخّلاته في لبنان، ولكنه لم يوفّق فعلياً إلا بالفتات والشتات من المتعاملين، حتى انفجرت ظاهرة ميشال عون الذي أمّن لهذا النظام المُعتدي على لبنان كلّ ما كان يهدف له منذ سنواتٍ طويلة.

 

فللمرّة الأولى نجح باستغلال قوةٍ مسيحية داخلية، متواجدة في داخل المناطق الحرّة الى أقصى الحدود، وقلب بفضلها الموازين العسكرية والسياسية، ممّا مكّنه لاحقاً من السيطرة على لبنان بشكل كامل، فعزل الحالة القواتية التي ثابرت على مقاومته والنضال ضدّه، فأدّى ذلك الى تصفيتها واعتقالها. كل ذلك حدث لأنّ النظام السوري أدرك نقطة الضعف الكامنة في المجتمع اللبناني بشكل عام والمسيحي بشكل خاص، والكامنة في نفوس بعض أصحاب المشاريع الصغيرة الذين أمّنوا الثغرة التي دخل من خلالها دائماً الغزاة والطامعون. ففي كل حقبةٍ من تاريخ هذا الشعب تواجد طرف ما أو تيار أو عائلة أدّت هذا الدور وأمّنت الخرق وحقّقت للتدخّلات الخارجية الإمكانية لتحقيق مرادها على حساب هذا البلد الصغير بمساحته ولكن المُستهدف بفضل إمكانياته الطبيعية والإنتاجية.

 

وَرِثَ “حزب الله” التكتيك الفتنوي من النظام السوري ونسج علاقات جيدة مع ميشال عون الطامع بالزعامة المسيحية، فأستغلّ ذهنيته السلطوية للتسلّل الى البيئة المسيحية التي كانت دائماً مُمانعة للإحتلالات والتدخّلات الخارجية وللتبعية وللإصطفاف في المحاور المتخلّفة. وككل مرّةٍ إستطاع فيها الغريب الدخول الى المجتمع، تأمّنت المكاسب المشتركة بين الغازي والعميل، فقد كان ثمن البديل لتأمين الغطاء المسيحي لـ”حزب الله” تقديم الدعم اللازم لتيار ميشال عون لتبوّؤ الزعامة المسيحية والتمثيل الرسمي في مجالس الدولة.

 

ولأنّ نهايات هكذا تيارات مصلحية وقصيرة النظر حتمية من خلال نتائج أعمالها المُدمِّرة للمجتمع وللصالح العام، فقد وصل تأثير تيار عون إلى الأفول، حيث يخشى “حزب الله” أن يفقد ما حقّقه من توازن مع القوى السيادية والرافضة لسياساته في تلك الساحة، ويخشى “حزب الله” العودة الى الوضع الذي كان قائماً ما قبل ميشال عون، حين لم تستطع القوى اليسارية المتحالفة مع النظام السوري تحقيق التوازن مع قوى الجبهة اللبنانية و”القوات اللبنانية”، لذا يذهب حالياً الى الدعم الخفيّ لبعض المغامرين الجدد المتعطّشين للعب الأدوار السياسية، بغضّ النظر عن تأثيرات أعمالهم السلبية، ولذلك تقوم هذه الشخصيات المتقلّبة بدور مهاجمة “القوات اللبنانية” من أجل تقديم أوراقها التوازنية التي قد تُقنع “حزب الله” باعتمادها بديلاً عن الحالة العونية، وتقوم هذه الحالات المُستجدّة بتبنّي الخطاب الدعائي التشويهي الذي استعمله سابقاً “التيار الوطني الحرّ” ضدّ المقاومة الللبنانية المتمثّلة بـ”القوات اللبنانية”.

 

يستميت رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل للحفاظ على موقعه الخادم لـ”حزب الله”، من خلال محاولاته الدائمة لإثبات قدراته على تحقيق التوازن مع “القوات اللبنانية” الذي أنجزه عمّه ميشال عون سابقاً، ولذلك لا يُسهّل حالياً مخطّطات “حزب الله” للرئاسة اللبنانية، ويضرب القوى الجديدة الطامعة بدوره، ويُهاجم القوى المسيحية التي سبقته الى حضن النظام السوري في السبعينات من القرن الماضي.

 

مغامرات البعض الحالية لتأمين التوازن مع “القوات اللبنانية” لصالح التحالف مع “حزب الله” ستفشل كما فشل ما سبقها من محاولات، ولكنّ المسألة المطروحة الآن، حجم الكلفة التي ستُدفع وصولاً الى تلك اللحظات، ألم يكن الثمن الذي تكبّده الشعب اللبناني غالياً جداً حتى انكشاف الهدف الحقيقي من دعم ظاهرة ميشال عون لتحقيقها التوازن مع “القوات اللبنانية” وإدراك الرأي العام بأنّها كانت بهدف تدمير الحالة الحرّة في هذا البلد ؟؟؟