بعد «اتفاق الطائف» انتُخب 5 رؤساء للجمهورية، لم يكن لحزب «القوات اللبنانية» دور أساسي في إنتاج أيٍّ منهم إلّا عام 2016 بانتخاب الجنرال ميشال عون. قبل عام 2005، كانت «القوات» مغيّبة قسراً عن السلطة والدور السياسي بحلّها واعتقال قائدها. أمّا انتخاب قائد الجيش السابق العماد ميشال سليمان فأتى بعد «اتفاق الدوحة» وتوافق عام إثر استخدام «حزب الله» سلاحه باجتياح بيروت في 7 أيار 2008، ولم تكن كتلة «القوات» النيابية آنذاك بالوزن الذي يسمح لها بقلب المعادلات.
وصول عون إلى رئاسة الجمهورية بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ، ساهم في تحقّقه «اتفاق معراب» وتأييد «القوات» له. لكن هذا القرار «القواتي» أتى بعد شغور طويل في كرسي الرئاسة الأولى. فبعد تخلّي قوى 14 آذار عن ترشيح رئيس «القوات» سمير جعجع، وتبنّي بعض قوى 14 آذار مرشحَين من فريق 8 آذار، وجدت «القوات» نفسها في المكان الذي ينهي الشغور مع الوضعية الأقل سوءاً. فبحسب «القوات»، «دائماً في السياسة عندما نصل إلى impass (طريق مسدود)، يجب التفكير بمخارج لكلّ مرحلة وفق متطلبات هذه المرحلة».
في هذا الاستحقاق الرئاسي، بات دور «القوات» أكثر تأثيراً رئاسياً نظراً الى حجم كتلتها النيابية، وهي الأكبر مسيحياً، خصوصاً في ظلّ ميزان القوى الداخلي وعدم امتلاك أي طرف الغالبية النيابية التي تنتج رئيساً. فاعتمدت خطة رئاسية متغيّرة «تكتيكياً» بحسب كلّ مرحلة، وثابتة لجهة منع وصول رئيس «ممانع». وبعد 7 أشهر من الفراغ الرئاسي، انتقلت «القوات» من دعم ترشيح النائب ميشال معوض إلى تبنّي «المرشح التوافقي» الوزير الأسبق جهاد أزعور بالتقاطع بين المعارضة و»التيار الوطني الحر». وعلى رغم أنّ اسم أزعور حلّ ضمن اللائحة التوافقية التي بادر جنبلاط إلى تسويقها، استمرّ البعض في اعتباره مرشح باسيل انطلاقاً من أنّه كان ضمن الأسماء التي طرحها ومن مصالح تجارية تجمع بين الرجلين مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة. لذلك يخشى البعض ومن بينهم «قواتيون» من أن تكون «القوات» جسر عبور للمرشح «الباسيلي».
لكن للقيادة «القواتية» قراءة أخرى «محسوبة». وتشرح مصادر «القوات» أنّ «الواقعية السياسية لا تتنافى أبداً مع المبدئية السياسية»، و»القوات» تعتمد المزاوجة بين المبدئية في الخيارات الوطنية الأساسية المتعلّقة بالدولة والدستور والقرارات الدولية والسلاح الواحد وقرار لبنان وهويته وانتظام المؤسسات وتداول السلطة…
وبين الواقعية السياسية. فعندما يصطدم ترشيح معيّن بواقع سياسي لا يمكنها أن تقف مكتوفة اليدين، فكان يمكن أن تبقى «القوات» في التموضع الرئاسي نفسه لكن هذا لا يوصل إلى أي نتيجة».
وتسأل مصادر «القوات»: هل ترشيح «القوات» لقائد الجيش يعني أنّه أصبح «قواتياً؟ وهل ترشيح باسيل لأزعور يعني أنّه «عوني»؟
وتشير إلى أنّه بعد فشل المعارضة في توحيد صفوفها، هناك لائحة من أسماء توافقية، لا يمكن وضع أي إسم وارد فيها في خانة أحد، وإنّ أزعور مرشح ضمن هذه اللائحة التوافقية ومن خارج الاصطفافات القائمة ولا يمكن وضعه في خانة أي فريق.
بدأت خطة «القوات» الرئاسية بمحاولة توحيد كلّ صفوف المعارضة للوصول إلى أكثرية النصف زائداً واحداً لمرشح، وبعد تعذُّر تحقيق ذلك طيلة الأشهر السبعة الماضية، ودخول الاستحقاق الرئاسي في الجمود، وتمسّك فريق «الممانعة» بمعادلته: «مرشحنا أو الفراغ، انتقلت «القوات» إلى تكتيكات لكسر هذا الشغور. لذلك اتجهت وأفرقاء المعارضة الآخرون إلى التقاطع مع «التيار» حول مرشح توافقي. وهذا لا يعني أنّها تراجعت، بحسب مصادرها، بل لا تزال على موقفها المبدئي نفسه برفض مرشح الممانعة، وبالتوازي تذهب إلى مرشحين من ضمن اللائحة التوافقية كي تتمكّن من كسر معادلة «الثنائي الشيعي» ومنطق المراوحة في الفراغ.
بهذا الخيار تعتبر «القوات» أنّها حققت نتائج عدة، بمعزل عمّا إذا كانت ستؤدّي إلى انتخاب أزعور رئيساً، وهي:
– الدفع إلى كسر الشغور.
– تلبية متطلبات المرحلة، وتلبية الدعوات من البطريرك الماروني الذي يطالب بلائحة توافقية وصولاً إلى عواصم القرار التي تريد انتخابات رئاسية.
– هذه المحاولة أربكت فريق الممانعة واستنفرته، بدليل تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه بري ومسؤولين في «حزب الله».
– أسقطت نظرية أنّ عدم توافق المسيحيين يعرقل انتخاب الرئيس.
– رئيس مجلس النواب نبيه بري كان يقول «انزلوا بمرشح جدّي»، وكان ترشيح معوض جدّياً فدأبت المعارضة على حضور جلسات الانتخاب الـ11 والتصويت لمعوض، فيما كان الفريق الداعم لفرنجية يقترع بورقة بيضاء ثمّ «يطيّر» نصاب الجلسة الثانية، وبري لا يدعو إلى جلسة، كذلك يرفض طلب المعارضة الدعوة إلى جلسات انتخاب مفتوحة. وأتى ترشيح أزعور ليفضح هذا الفريق و»يعرّيه» من الحجج الواهية.
فبات هناك مرشح تقارب الأصوات النيابية المؤيدة له أكثرية النصف زائداً واحداً (65 صوتاً)، ولا يزال «الثنائي الشيعي» يعتبر أنّه «مرشح مناورة». وبالتالي فليدعُ بري إلى جلسة وليتظهّر ذلك.
– الفريق الآخر يتمسك بموقفه ولا يريد انتخابات، وبالتالي محاولة «القوات» كشفته، وهذا الكشف أظهر حنكةً سياسية بطريقة التعاطي وإصراراً على إنهاء الشغور وإجراء الانتخابات.
بعد اتجاه «الحزب التقدمي الاشتراكي» إلى عدم انتخاب أزعور طالما لم يحظَ بموافقة «الثنائي الشيعي»، وهذا «الثنائي» يعارض انتخابه، باتت مهمة تأمين الأكثرية اللازمة لانتخاب أزعور في الدورة الثانية صعبة، فهل فشل هذا «التكتيك»؟
«القوات» تعتبر أنّ لا موقف صريحاً معلناً لـ»الاشتراكي» بعد، طالما أنّ التقاطع لم يحصل بشكله النهائي لجهة إعلان التوافق بين المعارضة و»التيار». وترى أنّ هذه الدينامية الجديدة ستخلط الأوراق الرئاسية، وبعد أن تترجم بخطواتها العملية، يُبنى على الشيء مقتضاه. ومهما كانت النتيجة المرهونة بأوقاتها، تعتبر «القوات» أنّ النجاح الأساس يبقى في التوازن الداخلي الجديد الذي بدأ مع الانتخابات النيابية ومستمرّ حتى الآن ولا تتمكّن «الممانعة» من كسره.