شكر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الله على «النفط والغاز». وغمز من قناة فريق العهد و»التيار الوطني الحر»، متمنياً «عدم نسب البعض إنجاز النفط لنفسه، وأن لا يكون موجوداً عند استخراجه، فعندها سيكون مصيره مشابهاً للملفات الأخرى، منها ملف الكهرباء». وإذ تصوّب «القوات» مدافعها على ملف الكهرباء الذي يتولّاه «العونيون» منذ 10 سنوات، أدّى هذا الاستهداف الى نقل الأخذ والردّ بين الفريقين الى خط التوتر العالي. ويسأل البعض: ألا ترى «القوات» فساداً إلّا عند منافسها في الساحة المسيحية؟
تستمر «حرب المؤتمرات» بين «التيار» و»القوات» في ملف الكهرباء، بعد افتتاح نواب تكتل «الجمهورية القوية» هذه المواجهة، وعرْض النائب أنطوان حبشي مستندات ومعطيات تكشف المسؤوليات ومكامن الهدر في وزارة الطاقة والمياه، وفي قطاع الكهرباء تحديداً.
وفي الإطار، شدّد جعجع أمس بعد اجتماع تكتل «الجمهورية القوية»، على أنّ «ملف الكهرباء هو أكبر ثغرة في ماليتنا»، مشيراً الى أنّ هناك شركات دولية مستعدة لبناء معامل كهربائية، وتأمين بدائل بسعر يقارب ما تقدّمه الدولة الآن، ولكن البعض يصرّ على السياسة المتبعة في ملف الكهرباء وعلى الحلول الموقتة، وتحديداً على البواخر التركية».
هذه البواخر كان تطرّق إليها أمس أيضاً الوزيران السابقان للطاقة ندى البستاني وسيزار أبي خليل، في مؤتمر صحافي خصّصاه للردّ على كلّ الاتهامات في هذا الملف. وبعد انتهاء العرض التقني، ردّ ابي خليل سبب «اختلاق المشكلات في ملف الكهرباء» الى أنّ «مشروع منظومة السلطة «بعد الطائف» كان ولا يزال التموُّل إمّا من مازوت المولدات – الذي تستورده شركاتهم ومحطاتهم وليس الدولة – أو التموُّل من لامركزية إنتاج الطاقة أي «إمتياز إلنا وإمتياز إلكن»، فنتموّل من الكهرباء بدلاً من مدّ أيدينا إلى الخارج، وهذا العرض الذي رفضناه وعرّضنا لحملات الإفتراء وتشويه الصورة».
وعلى رغم من أنّ «القوات» تصوّب على كلّ مكامن الهدر والفساد، ومنها: المعابر غير الشرعية، المرفأ، الجمارك، الإتصالات وغيرها، إلّا أنّها تركّز استهدافها على ملف الكهرباء. ويعتبر مناصرو «التيار»، أنّ «لا شغلة ولا عملة» لـ»القوات» الّا مواجهة «التيار» واستهداف رئيسه النائب جبران باسيل. ويسألون: لماذا لا تبدأ «القوات» بفتح ملفات الهدر والفساد منذ التسعينات، والتي تولاها أفرقاء عدة ومنهم حلفاؤها، قبل أن يُشارك «التيار» في السلطة بعد عام 2005؟
هذا الأمر تردّه «القوات» الى «أنّها ذهبت مباشرةً الى الملف الذي يكلّف الدولة المليارات ويُشكّل النسبة الأكبر من العجز في الموازنة». وتوضح مصادر «القوات»، «أنّها لا تتعامل مع ملفات الفساد على قاعدة رمي الاتهامات المتبادلة وتسجيل النقاط والدوران في الحلقة المفرغة نفسها، بل إنّها تعتمد في مقاربتها لكلّ الملفات معيار تطبيق القوانين».
وإذ وجدت «القوات» أنّ «الوصول الى محاسبة قوى سياسية صعب في ظلّ الظروف الراهنة، استناداً الى مجموعة اعتبارات وحسابات ومعطيات، قرّرت الانطلاق الى الأمام، عبر ثلاث خطوات:
– استراتيجية تطبيق القوانين والدستور.
– اعتماد الشفافية ووضع آليات للتعيينات من أجل وصول الأكفأ بدلاً من تعيين المحاسيب والأزلام.
– فتح الملفات الأساسية التي تشكّل معالجتها حلاً للأزمة الراهنة.
وتوضح مصادر «القوات»، أنّ «مقاربتها لملف الكهرباء تستند الى هذه الأسس، ولا تنطلق من خلفية أي جهة أو وزير يستلمه، بل لأنّه من أكثر الملفات فساداً، والتي ترهق خزينة الدولة واللبنانيين، ويستدعي معالجة ضرورية، ولأنّ حلّه يخفّض جزءاً كبيراً من المديونية العامة والعجز في الموازنة، ويشكّل مدخلاً لإنعاش الوضع على المستوى المالي ولإراحة اللبنانيين».
وتعالج «القوات» هذا الملف انطلاقاً من سؤالين:
– لماذا لا توجد علاجات لملف الكهرباء حتى الآن، على رغم من كلّ الإقتراحات والمشاريع والأفكار، وما زال لبنان منذ عام 1990 يدور في الحلقة المفرغة نفسها وهي عدم الوصول الى كهرباء 24/24؟
– لماذا ينتمي معظم الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة والمياه الى فريق سياسي واحد؟ ولماذا تصرّ جهة سياسية على الإحتفاظ بهذه الوزارة منذ 10 سنوات حتى الآن، على رغم فشل كلّ سياساتها في إدارة هذا الملف؟
وتقول مصادر «القوات»: «ذهبنا في هذا الملف في مواجهة «التيار» لأنّه ممسكٌ بهذه الوزارة. ولو كان يتولاها أيّ فريق آخر لما اختلفت مقاربتنا». أمّا توقيت فتح هذا الملف نيابياً، فيأتي انطلاقاً من معطيات كان يعمل عليها حبشي ونجح في إستجماعها، فطرحها. وفي المؤتمر نفسه الذي عرض حبشي خلاله للمعطيات «الكهربائية»، تطرّق أيضاً بالأرقام والأدلة الى وزارة الاتصالات التي تولّاها تيار «المستقبل» في الحكومتين السابقتين، ما يؤكّد حسب المصادر «القواتية» أنّ «القوات» تستهدف ملفات وقطاعات وليس فريقاً معيّناً.
ومن هذا المنطلق، لن تنحصر معركة «القوات» في محاربة الفساد بإدارات أو ملفات معينة، أو تتوقف عند حد أو توقيت. وينكّب تكتل «الجمهورية القوية» على درس ملفات عدّة متصلة بالشأن العام.
ويقول حبشي لـ»الجمهورية»: «لا يمكننا الإستمرار في إدارة القطاعات، ولا سيما منها قطاع الكهرباء بهذه الطريقة السيئة. وإذا لم نحدّد مكامن الخطأ والهدر والفساد في قطاع الكهرباء، فستتكرّر الممارسة نفسها في قطاع النفط».
وإذ يشير حبشي الى أنّه يستكمل جمع الملفات وتحضيرها لكي يقدّمها الى القضاء قريباً، يوضح أنّ «هناك فارقاً بين أن يقول أحدهم إنّ هناك هدراً وبين أن يجري تحديد مخالفة القوانين والهدر في وضوح وعلمياً، ويضع المعطيات على سكة المعالجة والمحاسبة قضائياً». ويلفت إلى أنّ «المعلومات كانت مخفية»، كاشفاً أنّه يتلقى «معلومات ومعطيات ووثائق تثبت الهدر والفساد في قطاع الكهرباء، من موظفين وأفراد كانوا مغبونين ومتضررين ويعرفون الممارسات الحاصلة في هذا القطاع».
وإذ يأتي إصرار «القوات» على معالجة ملف الكهرباء انطلاقاً من أولوية إخراج لبنان من الأزمة، تشير مصادرها الى «أنّ هناك استنفاراً «قواتياً»، في ظلّ الإنزلاق الكبير نحو الهاوية وفي ظلّ غياب الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة المرحلة». وينطلق أيّ عمل لـ»القوات» الآن من سؤالٍ واحد: كيف يُمكن تجنيب لبنان الانهيار الشامل؟