لخدمة أجندات خارجيّة والتغطية على سبب الانهيار… والإساءة للعلاقة مع دمشق !
حولّت بعض الاطراف السياسية كل حركتها ومواقعها واعلامها، ومعها مهمة كتلها النيابية للتصويت غير المباشر على استثنائية العلاقة التي تجمع ما بين لبنان وسوريا، وما تختزله من حاجة لبنان قبل سوريا لاعادة تصويب هذه العلاقة في الاتجاه الذي يخدم مصالح الشعبين والبلدين، خصوصا في ظل الواقع الخطير الذي دخل فيه لبنان، وما يواجهه من انهيارات متتالية على كل الصعد والمستويات، وبات يهدد بخيارات قد يصعب السيطرة عليها.
ومن خلال ما لجأت اليه القوات اللبنانية بدءا بكتلتها النيابية بالجملة والمفرق بشكل خاص، في الاسابيع الثلاثة الاخيرة من حملة غير مسبوقة لمواجهة التهريب الى سوريا تحت عناوين بعضها فيه بعض الواقعية وبعضها الاخر مركبّ ومضخم لغايات سياسية مشبوهة. فيما كان لاطراف سياسية نصيب في عملية التضخيم من نواب كتلة الكتائب الى اللقاء الديموقراطي وبعض الاصوات المعروفة التوجه والانتهاء منذ زمن بعيد، كما يقول سياسي مطلع على مسار ما هو حاصل من عمليات تهريب متبادلة بين الحدود، احيانا تنشط في التهريب من سوريا الى لبنان واحيانا اخرى بالعكس، وذلك بحسب ما يتناسب مع طبيعة لاسعار بين البلدين ومصالح المهربين الذين هم انفسهم في كل الاوقات.
فالسياسي المذكور لا ينفي حصول عمليات تهريب لكثير من السلع ما بين البلدين بين الحين والآخر، وبينها مؤخرا عمليات تهريب لكميات من المازوت والطحين وسلع اخرى، في مقابل تهريب سلع اخرى من سوريا باتجاه لبنان، لكن السياسي المعني يؤكد ان ما حصل في الاسابيع الثلاثة الاخيرة من تضخيم لعمليات تهريب المازوت والطحين ومواد اخرى من لبنان الى سوريا، وبالاخص من جانب «القوات اللبنانية» ورئيسها وكتلتها النيابية ليس بريئاً، بل ان هذه الحملة المنظمة – الى جانب ما يقوم بها من اطراف سياسية اخرى – يطرح علامات استفهام خطيرة في هذا التوقيت، وفي هذه الظروف، انطلاقاًَ من جملة معطيات ووقائع لا تخدم لبنان قبل سوريا:
– اولاً: ان الجيش اللبناني والجمارك مسؤولان عن ضبط الحدود، ولا احد من القوى السياسية يتدخل في عملها لاي اجراء يرونه مناسباً لمنع التهريب، وبالتالي فهذه الحملة هي رسالة مبطنة وغير بريئة تستهدف الجيش، مع العلم ان هناك تنسيقاً مستمراً مع الجيش السوري، اما عبر الاتصالات الهاتفية، او عبر الضباط المتواجدين على جانبي الحدود، حتى ان السياسي المعني يستغرب ما قاله وزير الدفاع السابق الياس بوصعب مؤخراً حول عدم تعاون قيادة الجيش مع طلب بوصعب لمواجهة التهريب. عندما كان الاخير وزيراً للدفاع، وبالتالي ما قاله بوصعب لا يعبر عن طبيعة الجهود في حينه لمكافحة التهريب، او انه لم يكن على معرفة بما يجري لهذه الغاية.
– ثانياً: رغم حصول عمليات تهريب مؤخراً لمادة المازوت، لكن «القوات اللبنانية» عمدت الى تضخيم مقصود لما يهرب من مازوت وطحين، وبخاصة التضخيم للتهريب من حدود البقاع الشمالي، وحتى لجوء بعض وسائل الاعلام لتصوير ارتال من الشاحنات وصلت اليها من جهات تريد الاستغلال السياسي وخدمة اجندات خارجية وبالتحديد خدمة اندفاع ادارة ترامب لفرض مزيد من العقوبات على الدولة السورية، بينما هذه الصور هي قديمة او مركبة، حتى ان هناك من لجأ الى تركيب سيناريوهات اشبه بما تلفقه المخابرات الاميركية عن قيام الفرقة الرابعة في الجيش السوري باستقبال ارتال الشاحنات المهربة بالمازوت الى اماكن محددة. والهدف من هذه السيناريوهات تشجيع الادارة الاميركية لفرض عقوبات اوسع واشمل ليس على الحكومة السورية، بل على جهات لبنانية محددة وبالدرجة الاولى حزب الله، فالحديث عن ارتال من الشاحنات المقصود به ان التهريب يتم بطريقة منظمة بين الذين تقصدهم ادارة ترامب بعقوباتها.
– ثالثاً: ان المشرفين على هذه الحملة اما انهم يتقصدون تحريف وتزوير توجيه الحملة باتجاه مناطق محددة، لغايات سياسية والاخطر انها تستقصد معابر معينة لقطع اوصال التواصل بين المقاومة باتجاه عمقها السوري بينما التهريب الحقيقي يحصل بشكل خاص من المعابر غير الشرعية على الحدود الشمالية، في وقت لم يقصر الجيش السوري يوماً في مواجهة عمليات التهريب وكان آخرها سقوط ضابط وعدد من الجنود السوريين بالقرب من الحدود مع وادي خالد.
– رابعاً: يحاول اطراف هذه الحملة ايهام الرأي العام اللبناني، بان انهيار بلدهم وازماتهم نشأت من وراء عمليات التهريب، بينما واقع الحال فالسبب لهذا الانهيار في مكان آخر، وهو ما حصل ويحصل من نهب منظم للمال العام في الداخل اللبناني، وبالتالي محاولة التغطية على من كانوا السبب الفعلي وراء هذا الانهيار من منظومة الفساد السياسي والحزبي والمذهبي والمالي، بكل تلاوينها.
– خامساً: ان تزامن هذه الحملة، وما فيها من سيناريوهات مركبة من الغرف السوداء، خلال اعداد ما سمي قانون «قيصر» الاميركي او قانون «سيزر» الذي فرض مزيد من العقوبات على الدولة السورية، ومن ثم بعد الاعلان عنه، لم يأت من فراغ، او ان غاياته منع تهريب سلع مدعومة من الخزينة اللبنانية بل يدخل ويتناغم مع ما قامت به ادارة ترامب لفرض مزيد من العقوبات، لانه لو كانت نوايا هؤلاء منع تهريب هذه السلع، لكان بامكان هؤلاء التوجه نحو خيارات اخرى تحفظ مال الدولة في لبنان ولا تحرض الاميركي على تهديد لبنان باجراءات قاسية في حال عدم وقف التهريب، مع ان مصلحة لبنان قبل مصلحة سوريا تبقى في تطبيع العلاقة الرسمية بين الدولتين بشكل كامل، لما لذلك من نتائج ايجابية ضخمة على الداخل اللبناني خصوصاً في ظل الانهيار المالي، اما الاصرار على العداء ضد سوريا فستكون نتائجه كارثية على لبنان قبل اي دولة اخرى، وما حصل في خلال الازمة التي شهدتها سوريا والقطيعة التي لجأ اليها اصحاب الاجندات الخارجية، بما كان يسمى فريق 14 اذار حمّل لبنان وخزينته خسائر بعشرات مليارات الدولارات، والحبل على الجرار، لذلك يقول السياسي المعني ان العقوبات الاميركية الجديدة على سوريا لن تقتصر تداعياتها على الداخل السوري، بل ان الدولة المحيطة لسوريا وبالاخص لبنان، حيث سيكتشف هؤلاء مدى النتائج المدمرة على لبنان من هذه العقوبات.