طغى مشهد عين الرمانة – الشياح على كل مشهد 6 حزيران. أعاد مشهد خطوط التماس، ومصطلح العاصمتين، بيروت الغربية وبيروت الشرقية. وطرح تساؤلات حول دور الدولة أولاً واستطراداً دور الجيش والخوف من تكرار سيناريو الـ75، إلى تنامي دور «حزب الله» بشكل بات ينعكس خطراً على سلم الوطن والأمن السياسي والاجتماعي للناس، وعلى الأمن القومي والسيادي للبنان.
بالنسبة الى «القوات اللبنانية»، عين الرمانة هي قلعة الصمود، وهي في الحرب كانت باب الدخول إلى المنطقة الحرّة، ولا تزال.
من هنا، «ما حصل في عين الرمانة لا تتحمّله «القوات اللبنانية»، هذا ما تقوله مصادرها لـ«الجمهورية». والدليل انّ حادثاً أمنياً مماثلاً وقع في كورنيش المزرعة والطريق الجديدة. هذا يعني أنّ هناك طرفاً يستخدم لغة الاستفزاز عن سابق تصور وتصميم، بشعارات فئوية دينية مذهبية، منطلقاً من واقع عسكري وأمني «مُنتفخ». لذا، فإنّ من يتحمّل المسؤولية في حادث 6 حزيران، ليس عين الرمانة التي كانت في موقع الدفاع عن النفس، ولن تسمح لأيٍّ كان أن ينتهك كرامتها وكرامة الناس فيها. فكما في 13 نيسان 1975 كانت في موقع الدفاع عن النفس، هكذا في 6 حزيران 2020 كانت عين الرمانة في موقع الدفاع عن النفس».
وتضيف مصادر «القوات»: «هناك خطوط حمر ممنوع على أيّ طرف أن يتجاوزها، وعين الرمانة جزء من هذه الخطوط الحمر. على كلّ طرف أن يعلم أنّ هناك محرّمات وحُرمات ومقدسات ممنوع انتهاكها. لكن في الوقت نفسه، تبقى عين الرمانة تحت شرعية الدولة، وهي جزء لا يتجزأ من البيئة القواتية التي تناشد الدولة باستمرار أن تقوم بدورها وتمارس مسؤولياتها. لذلك، لن تقبل بأيّ استفزاز أو «يَستوطي حيطها» أحد، وإذا حاول أحد ان يوجّه رسائل من خلالها فستكون له بالمرصاد».
وتؤكد أنّ «عين الرمانة، هي التي أوضحت الرسالة لمَن يعنيهم الأمر، بعدم تجاوز حدودهم معها، وعدم انتهاك أعراض ناس في مناطق لها هوية سياسية واضحة. هو درس إضافي لـ»حزب الله» أنه ممنوع الاقتراب من عين الرمانة وعلى كل طرف أن يتحمّل مسؤوليته».
لكنّ الأكيد بالنسبة لـ«القوات» انّ ظروف 6 حزيران 2020 لا تشبه ظروف 13 نيسان 1975. لكن هذا لا يعني أنّ الأمور لا يمكن أن تنزلق باتجاه حروب صغيرة أو فوضى، خصوصاً أننا في صلب انهيار شامل في لبنان، إلّا انّ الظروف السياسية في الـ75 والقوى التي كانت موجودة مختلفة. فآنذاك، كانت هناك «الحركة الوطنية»، «الجبهة اللبنانية»، إنقسام مسيحي – إسلامي حول خيارات وطنية كبرى، ما أنتجه اتفاق القاهرة من تعبئة، فيما واقع اليوم مُغاير، بدليل أنّ ما حصل في عين الرمانة، حصل مثله في كورنيش المزرعة والطريق الجديدة. المسألة أخذت طابعاً مسيحياً شيعياً وسنياً شيعياً، لكن ليس بالشكل الذي كانت فيه في الـ75».
وتعتبر مصادر «القوات» أنّ «هذا الأمر يستدعي من الفرقاء كافة ان يضبطوا الواقع منعاً لأي استفزاز واستبعاداً لشارع مقابل شارع، خصوصاً اننا أمام انهيار كبير. فإذا كانت أسباب الحرب في العام 1975 سياسية بامتياز، فإنّ أسباب تسريع الفوضى اليوم هي الأزمة الاقتصادية والمالية، التي تخلق شعوراً بالقرف لدى الناس وبأنه لم يعد هناك من شيء ليخسروه. لذلك، لا يجب استغلال هذه الأوضاع للدفع باتجاه سقوط الدولة كلياً. من هنا، المطلوب من الدولة ان تكون حاسمة وحازمة بمنع أي احتكاك كالذي جرى في 6 حزيران، كما هناك مسؤولية على الأحزاب لتضبط شوارعها منعاً لأيّ انفلات أمني، لأنّ أحداً لا يُناسبه تكرار تجربة الـ75 فهي تجربة دمّرت البلد من دون الوصول الى النتيجة المتوخّاة، وما زلنا حتى اليوم نعيش مأساة انهيار لبنان بدليل انّ الدولة حتى اللحظة لم تستعد مقوماتها ودورها وسلطتها على كامل الأرض اللبنانية».
وتقول المصادر: «الدرس الأساسي للجميع أنه، في ظل الانهيار المالي والاقتصادي والوضع المتأزّم، يجب الابتعاد عن اي استفزازات غير قابلة للضبط. وما أمكَن ضبطه أمس، قد يصعب ضبطه في مرات مقبلة إذا تكرر».
واكدت المصادر أنّ «القوات» رهانها على الجيش أولاً وأخيراً، منوّهة بالدور المهم الذي أدّاه والقوى الأمنية في حادثة عين الرمانة والشياح، متمنية أن يستمر في تأدية الدور المطلوب منه حفاظاً على الاستقرار الأمني، الذي هو العامل الوحيد الذي لا زال يشكّل مظلة أمان في ظل انهيار سياسي نتيجة عدم الاتفاق السياسي، وفي ظلّ انهيار مالي نتيجة الوضعية المالية التي وصلنا اليها».
وتعتبر المصادر: «لكل هذه الأسباب يجب حصر الخلاف في الملفات بعيداً عن أي طابع طائفي ومذهبي. يجب ان يكون كل التركيز على كيفية إنقاذ لبنان مالياً، فالانهيار المالي يصيب جميع الفئات، وهو عابر للطوائف والأحزاب ولكل المجموعات في لبنان والأفراد. يجب أن يكون التركيز على كيفية مواجهة هذا الانهيار، لأنّ الفشل في هذه المواجهة يعني أنّ لبنان يتّجه رويداً رويداً نحو الفوضى، والمطلوب حصر العناوين كما قال الدكتور سمير جعجع بعناوين معيشية ومطلبية وليس بعناوين سياسية، لأنّ العناوين السياسية تخدم «حزب الله» فتجعله يتحصّن داخل بيئته ويستنفر عبرها شارعه مقابل الشارع الآخر، فيما لا يستطيع أن يقوم ما يقوم به اليوم اذا حمل الشارع الآخر عناوين معيشية بعيدة عن عنوان السلاح».
وترى أنّ «الارباك الأكبر الذي أصاب «حزب الله» هو عندما رُفعت العناوين المعيشية في كل ساحات لبنان، وهو يريد ان يتخلّص من هذا الارباك لأنّ الضغط الشعبي سيؤدي في نهاية المطاف إلى كَف يد الأكثرية الحاكمة عن ممارسة سطوتها على مؤسسات الدولة بكل اتجاهاتها. من هنا، فإنّ من مصلحة «حزب الله» أن يجعل الأمور تذهب باتجاه التَسييس من أجل تجنّب الضغط الشعبي ومواصلة إمساكه بمؤسسات الدولة».
لذلك، فإنّ السؤال المطروح: هل من مصلحة الثورة أن تنقسم تحت عنوان معيشي سياسي أم مصلحتها أن تبقى موحّدة تحت عنوان معيشي؟ من هنا، ترى «القوات اللبنانية» أنّ من مصلحة الثورة أن تبقى موحدة تحت عنوان معيشي، لأنّ هذا العنوان يتناسب مع طبيعة المرحلة ويشكّل السلاح الأقوى في وجه هذه الأكثرية من أجل رفع يدها عن السلطة القائمة في لبنان.