يُدرك رئيس المجلس النيابي نبيه بري ان المهمة التي ينصرف اليها حالياً لجهة تسويق سعد الحريري رئيسا للحكومة الجديدة ليست بالسهلة على الاطلاق. فهو وقبل ان يُقنع حلفاءه به، اي اخصام الحريري السياسيين، سيتوجب عليه اقناع من يفترض انهما حليفي رئيس «تيار المستقبل» اي «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» اللذين لا يبدوان على الاطلاق متحمّسين لعودة الحريري الى السراي الحكومي وهي حماسة يتشاطرانها كما بات محسوماً مع المملكة العربية السعودية التي لم ترسل حتى الساعة اي اشارات مُشجّعة الى بيت الوسط ما يجعل الحريري نفسه متردداً بتكرار تجربة حكومته الاخيرة التي طيّرتها انتفاضة 17 تشرين الاول الماضي.
فوليد جنبلاط الذي يبدو منذ انفجار بيروت في حالة صدمة كما القسم الاكبر من اللبنانيين، ما دفعه للتقليل من الكلام والتغريد ومتردداً حتى في التعليق على حكم المحكمة الدولية، ليس بصدد الدخول بمغامرات لا بموضوع الاستقالة من المجلس النيابي نزولاً عند رغبة «القوات» ولا بموضوع تشكيل الحكومة، لذلك نراه يُنسق مع رئيس الجمهورية ويُصرّ على ابقاء قنوات مفتوحة معه، وان كان لا يحبذ على الاطلاق ربط الدعوة للاستشارات بالاتفاق المسبق على اسم الرئيس المكلف، وهو ما يضعه في خانة تخطي صلاحياته والنص الدستوري.
اما في معراب فالصورة أوضح. اذ تؤكد مصادر «القوات» ان مسألة الحكومة حاليا ليست مسألة أسماء بل جدول أعمال، لافتة الى ان السير بأي رئيس حكومة واعطاء تشكيلته الثقة مُرتبطان بـ4 عناوين اساسية، او بمعنى آخر بـ4 شروط، اولاً ان تكون هذه الحكومة حيادية ـ مستقلة وجديدة، ثانياً ان تتعهد السير بتحقيق دولي بانفجار مرفأ بيروت، ثالثاً ان تعمل على تقصير ولاية المجلس النيابي لتشرف على انتخابات نيابية مبكرة ورابعاً ان تنكب وبشكل اساسي على انجاز الاصلاحات المطلوبة محليا ودولياً.
وتشدد المصادر على رفض قيادة «القوات» بشكل قاطع حكومة الوحدة الوطنية او حكومة الاقطاب مستهجنة الحديث عن انتظارها اشارات سعودية لتحديد موقفها من السير بالحريري رئيسا للحكومة، نافية ذلك نفياً قاطعاً. وتضيف المصادر: «نحن لا نعتبر ان تشكيل الحكومة اليوم يجب ان يكون الاولوية انما الانتخابات النيابية المبكرة، لذلك تقدمنا باقتراح قانون لتقصير ولاية المجلس الحالي لاقتناعنا بأن تجربة اي حكومة جديدة قد تكون مماثلة للحكومتين الاخيرتين في ظل غياب تعهدات خارجية تساعدها على تنفيذ برنامجها».
وترد المصادر على الحملة التي طالت «القوات» بعد العدول عن تقديم استقالات نوابها بعدما كانت أبرز المتحمسين للخطوة، موضحة أن آخر ما تريده هو ان تكون الاستقالات حصرا في اطار فشة الخلق بغياب رؤية محددة للخطوات التالية، قائلة: «اذا كانت الاستقالات لن تؤدي الى النتيجة المرجوة اي الذهاب الى انتخابات مبكرة، فما نفعها؟»
وتشير المصادر الى ان قيادة «القوات» حاولت اقناع قيادتي «المستقبل» و«التقدمي الاشتراكي» بالسير بمشروع مشترك لرفع الميثاقية عن المجلس النيابي الحالي، لكن استقالة حكومة 8 آذار أدت لتأجيل الخطوة بانتظار تبلور الامور أكثر، مجددة التأكيد ان نواب «الجمهورية القوية» لن يُسمّوا اي شخصية لا تتعهد السير بانتخابات مبكرة كما لن يعطوا الثقة لاي حكومة لا يندرج ضمن بيانها الوزاري وبوضوح تقصير ولاية المجلس النيابي الحالي.
اذاً، بات واضحاً ان خلافات قوى 14 آذار المتراكمة على مر السنوات والتي منعتها من التوحد في اكثر من محطة واستحقاق، تمنعها اليوم من قلب الطاولة على أخصامها. فهي لم ولن تعمد لاسقاط المجلس النيابي الحالي نتيجة تمسك «المستقبل» و«التقدمي الاشتراكي» بحلفهما مع الرئيس بري الذي يعتبر الامر خطا أحمر أدى للاطاحة بالرئيس حسان دياب وحكومته، كما انها لن تفرض مرشحها لرئاسة الحكومة المقبلة لفشلها بالتوافق على واحد، ما سيؤدي تلقائيا لاستلام فريق 8 آذار زمام الامور وفرضه الحكومة والرئيس اللذين ينسجمان مع تطلعاته ورؤيته للمرحلة المقبلة.