على رغم الانتقادات التي تُطاول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إن لأسباب سياسية أو لاعتبار أنّ العهد «فشل»، أو لمعارضة اعتماد عون المشاورات السياسية قبل تعيين موعد لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس يُكلّف تأليف الحكومة، لا يبدو أنّ هذه الاستشارات التي حُدّدت الاثنين المُقبل، ستشهد مقاطعة نيابية واسعة. وقد يكون حزب «القوات اللبنانية» الوحيد الذي سيُقاطعها أو يمتنع عن تسمية رئيس للحكومة العتيدة.
لم تنجح المشاورات السياسية التي أجراها عون في الأسبوعين الماضيين في تحقيق توافق على شكل الحكومة الجديدة أو على اسم الرئيس المُكلّف. وعلى رغم غياب الحد الأدنى من التوافق، خصوصاً بعد انسحاب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الاسم الوحيد المطروح جدياً، اضطرّ عون الى تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة، قبل زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان والمقررة الثلاثاء في 1 أيلول المقبل.
النواب الثمانية الذين استقالوا أخيراً من المجلس، ومن بينهم نواب «الكتائب اللبنانية»، لن يكونوا من بين الذين سيستشيرهم عون، في حين قد يتغيّب نواب لأسباب خاصة، إلّا أنّ غالبية الكتل ستشارك في هذه الاستشارات. ومن الطبيعي أن تتجه الكتل الممثلة لـ»حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وحلفائهما الاثنين الى بعبدا، أمّا تيار «المرده» فسيشارك في الاستشارات ويُلائم خياراته بين حلفه مع «حزب الله» وحرصه على رغبة المكوّن السني.
الكتل النيابية التي تمثّل القوى السياسية التقليدية المعارضة، على رغم انتقاداتها ستشارك في هذه العملية الدستورية، ومنها «اللقاء الديموقراطي» على رغم اعتبار رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أنّ هذه الاستشارات حُدّدت حياءً قبل زيارة ماكرون، بعد مخالفة عون «اتفاق الطائف».
من جهتها، كتلة «المستقبل» ستشارك، وكان الحريري قد أعلن في بيان انسحابه من السباق الحكومي، «انّنا سنسمّي من نرى فيه الكفاءة والقدرة على تَولّي تأليف حكومة تضمن نجاح هذه الفرصة الوحيدة والأخيرة أمام بلدنا».
وبالتالي، قد تتفرّد «القوات اللبنانية» بعدم المشاركة في الاستشارات النيابية في بعبدا، ويعقد تكتل «الجمهورية القوية» جلسة تشاورية الأحد مساءً لحسم قرار المشاركة أو عدمه، بعد أن يكون رئيس التكتل سمير جعجع قد أجرى الاتصالات السياسية اللازمة لحسم هذا الاتجاه.
لا شك أنّ القرار المُشترك لرؤساء الحكومات السابقين يترك وَقعه ميثاقياً وسياسياً على الاستشارات، فضلاً عن أنّ زيارة ماكرون تشكّل عاملاً ضاغطاً على القوى السياسية للمشاركة في هذه الاستشارات، لا بل لتأليف حكومة سريعاً، في ظلّ تصعيد فرنسي واضح ومُعلن في وجه هذه القوى، الى حد تحذير وزير خارجية فرنسا من خطر زوال لبنان، وإعلان مسؤول في الرئاسة الفرنسية أمس أنّ «ماكرون سيتوجه إلى بيروت الأسبوع المقبل للضغط على الساسة اللبنانيين للمضي قدماً في تأليف حكومة يمكنها أن تطبّق إصلاحات عاجلة»، مُطلقاً موقفاً فرنسياً متقدماً لجهة أنّ «الوقت حان لِتنحّي الأحزاب السياسية اللبنانية جانباً، موقتاً، وضمان تأليف حكومة تعمل على التغيير». هذا في حين أنّ الطبقة السياسية الحاكمة كانت تجري مشاورات جدية في الأسابيع المنصرمة لتأليف حكومة سياسيين أو حتى حكومة أقطاب.
وتستمرّ القوى السياسية في مشاوراتها قبل حلول موعد الاستشارات. بدوره، سيجري جعجع الاتصالات اللازمة خصوصاً مع حلفائه، على رغم أنّ قراره لن يرتبط بالضرورة بقرار كلّ من الحريري وجنبلاط. ففي الاستشارات السابقة التي أدّت الى تكليف الرئيس حسان دياب تأليف الحكومة، امتنعت «القوات» والمستقبل» عن التسمية في حين سَمّت كتلة «اللقاء الديموقراطي» الديبلوماسي نواف سلام. وسيجري جعجع هذه الاتصالات والمشاورات سعياً الى تقريب وجهات النظر، وعلى أساسها يأخذ التكتل القرار المناسب، والذي يتلاءم مع رؤيته للمرحلة.
وفي حين أنّ «القوات» لا تجد أنّ أي حكومة هي الحل في ظلّ سيطرة الثنائي «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، ومن هذا المنطلق لم تمنح حكومة دياب الثقة، تنظر الى الحكومة العتيدة وهي أمر واقع، انطلاقاً من أولويتها وهدفها الأساس في هذه المرحلة، وهو إجراء انتخابات نيابية مبكرة. وتعتبر أنّ الحكومة المقبلة يجب أن تكون حكومة انتقالية وجديدة ومستقلة كلياً، وأن يكون رئيسها وأعضاؤها غير خاضعين لأيّ تأثير أو نفوذ سياسي، وألّا تكون حكومة اختصاصيين مقنّعة على غرار الحكومة المستقيلة. وترى «القوات» أنّ المطلوب في هذه المرحلة أن تكون الحكومة قادرة على القيام بوظيفتين أساسيتين:
– مواجهة الأزمة المالية، وأن تحوز على ثقة الداخل والخارج لإجراء الإصلاحات المطلوبة للحصول على المساعدة المالية.
– أن تذهب في اتجاه التحضير لانتخابات نيابية مبكرة، على رغم من أنّ هذا الموضوع يتعلّق بمجلس النواب.
وتقول مصادر قواتية: «في ظلّ إمساك «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» بمفاصل السلطة، فإننا ننظر بريبة وخشية الى أيّ حكومة، ونعتبر أنّه من الصعب أن تتمكّن أي حكومة من أن تنجز المطلوب منها، وبالتالي لا يمكن أن نمنح الحكومة الثقة إلّا بعد أن نتأكد من عدم القدرة على التأثير في مسارها، وأن تكون أولويتها فعلياً وطنية لبنانية مؤسساتية دولاتية، وغير خاضعة نهائياً لأي نفوذ وتأثير».
خلاف ذلك، تؤكد مصادر «القوات» أنّها «لن تغطّي واقعاً سيئاً جداً، وَصلنا إليه نتيجة ممارسات الفريق الحاكم وسياساته الفاشلة، التي أصبحت مرفوضة من الناس بعد 17 تشرين و4 آب، فأيّ تأثير لهذا الفريق على القرار يعني أن لا إصلاح ولا تغيير».