لا يتردد قريبون من رئيس الحكومة المكلف ورئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري بالحديث علنا وباستفاضة عن فحوى الخلاف مع حزب «القوات اللبنانية» بعدما آثروا لفترة من الزمن تجنب الغوض في الموضوع والتعاطي معه على قاعدة عدم نشر الغسيل المتسخ بين الحلفاء على أسطح الجيران وبخاصة اذا كان هؤلاء الجيران خصوما شرسين بالسياسية ينتظرون هفوة صغيرة للانقضاض على جيرانهم.
اما اليوم فتغيرت المعادلة، وبات واضحا ان «المستقبل» كما «القوات» لم يعودا يقاربان اي ملف على اساس انهما حلفاء وان ما يحصل غيمة صيف عابرة، باعتبار ان الخلافات والكباش بينهما مستمر منذ التسوية الرئاسية التي أدت لوصول العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة اي منذ العام 2016، ما يعني ان الغيمة كانت لتعبر في السنوات الـ4 الماضية، الا انها لم تفعل، بل على العكس تراكمت الملفات الخلافية وزادت الهوة بين معراب وبيت الوسط الى حد بات من الصعب جدا لا بل من المستحيل ردمها، خاصة في ظل اصرار كل منهما على التذكير فيها عند كل استحقاق ومنعطف.
ويعتبر «القواتيون» ان الهجوم الذي شنه مؤخرا أمين عام تيار «المستقبل» أحمد الحريري يصب في هذا الاطار، باعتبار أنه أتى من عدم، على حد تعبيرهم، واتخذ منحى تصعيدياً غير مبرر.
وللمرة الاولى منذ العام 2016، صوّب «المستقبل» باتجاه لب الخلاف مع قيادة «القوات» الا وهو رفض الحريري اعطاء تعهد او اطلاق وعد لجعجع بتبني ترشيحه لرئاسة الجمهورية لخلافة العماد عون وقطع الطريق على اي احتمال لوصول رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الى سدة الرئاسة. وكان أحمد الحريري واضحا اخيرا بحديثه عن «أصوات تراهن على الفراغ للوصول إلى كرسي بعبدا»، قائلا: «يستطيع سمير جعجع أن يحلم بالرئاسة ويطلب المستحيل سبيلاً للوصول. لكنه لن يحلم بتوقيعنا على جدول أعمال معراب السياسي وغير السياسي. وسنكون بالمرصاد لاي مشروع يقود لبنان إلى التحلل والتقسيم والخراب».
وبحسب مصادر مطلعة عن كثب على العلاقة بين الطرفين، فان جعجع ومنذ رفض الحريري السير به المرشح التالي للرئاسة، علما انه اصلا لم يهضم ما قام به رئيس «المستقبل» خلال المسار الذي أوصل عون الى بعبدا، قرر مواجهته حتى النهاية وفق قاعدة، اذا لم تسر بي لرئاسة الجمهورية، لن أسير بك رئيسا للحكومة، لا بل ابعد من ذلك سأتصدى لذلك. وهو ما قام به فعليا خلال السنوات الماضية، وبخاصة عندما رفض تسميته بعيد استقالة حكومته في تشرين الاول 2019 ما أدى لانسحابه من السباق الحكومي، كما مؤخرا حين اقتصر الغطاء المسيحي لتكليف الحريري على تيار «المردة» وحزب «الطاشناق» وبعض الشخصيات المستقلة بعدما قرر التكتلان المسيحيان الاكثر تمثيلا حجب اصواتهما عنه.
وبالنسبة لـ «المستقبل»، لم يعد جعجع يفرق كثيرا عن عون وباسيل، حتى ان لدى الجمهور الازرق عتب اكبر عليه، باعتبار انه كان يعي ان التسوية مع «الثنائي» السابق ذكره لم تكن لتصمد طويلا نظرا لحجم الخلافات الاستراتيجية معهما، بعكس العلاقة مع جعجع التي كان يتوقع ان تعود الى سابق عهدها في اي لحظة، من منطلق ان التوجهات السياسية الكبرى بين «المستقبل» و«القوات» هي نفسها. لذلك يتعاطى مع الصفعات التي وجهها جعجع اخيرا للحريري على انها طعنات بالظهر تترك اثرا بالغا وقد لا تشفيها الايام وحتى السنوات، خاصة وان الخلاف الاساسي مع قائد «القوات» لا يقتصر على ما تم ذكره بل يطال بشكل اساسي كيفية تعاطيه مع ازمة الحريري في السعودية.
أما «القواتيون» فيستغربون اعطاء الخلاف مع «المستقبل» هذا البعد الشخصي، ويؤكدون ان الامور أبعد من ذلك وترتبط بالمصلحة الوطنية العليا، التي يعتبرون ان رئيس «المستقبل» لا يسعى اليها من خلال الخطط والمشاريع التي يعتمدها منذ العام 2016، سواء من خلال قراره اعطاء الاولوية لحلفه مع باسيل في السنوات الماضية ما أحرق كل اوراقه وادى لانقلابه عليه، او من خلال اصراره على تشكيل حكومة بالتعاون والتنسيق مع القوى السياسية ضاربا بعرض الحائط المبادرة الفرنسية وارادة الشعب اللبناني المنتفض.