لا شك في أنّ عام 2020 كرّس انفصال حزب «القوات اللبنانية» بنحوٍ تام عن السُلطة والأكثرية الحاكمة، المتمثلة بثلاثي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه «التيار الوطني الحر»، «حزب الله» وحركة «أمل». كذلك إنفرطت تحالفات «القوات» كلّها، بحيث غرّدت وحيدةً بلا مؤازرة تيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» وحزب «الكتائب اللبنانية»، حيث كان كلّ من قوى 14 آذار هذه «في وادٍ». مناهضة «القوات» للسلطة، لم تشهد حدوداً، وتوّجها رئيس الحزب سمير جعجع في نهايات الـ2020، بحضّ الخارج للضغط على النخبة الحاكمة والتوقف عن التعامل معها، لأنّ «لا حلّ في ظلّ حُكم هذا الفريق».
يُواصل جعجع العمل على تغيير السُلطة الحاكمة. وفي اجتماع مع عدد من النواب في البرلمان الأوروبي في 18 كانون الحالي، دعا الأوروبيين الى «وضع كلّ الضغط اللازم على النخبة الحاكمة، للذهاب الى انتخابات نيابية، بحيث من الممكن للاتحاد الأوروبي أن يلتئم ويعلن في وضوح توقُّفه عن التعامل مع أي طرف من أطرافها، ما لم يُجرِ انتخابات مبكرة».
إعلان جعجع أنّ «لا نوى» من هذه السلطة لم يقتصر على ذلك، فأشار في الاجتماع نفسه، الى أنّ «معظم المسؤولين في الدولة لديهم مسؤولية في انفجار مرفأ بيروت، وقد يُحاكمون، ولهذا السبب لا يريدون الذهاب في اتجاه تحقيق دولي»، مؤكّداً أنّ لا أمل في الوصول الى الحقيقة إلّا عبر لجنة تقصّي حقائق دولية، بحيث يُمكن أي دولة من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بعث رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة، طالبة منه تشكيل هذه اللجنة. وكان سبق أن طلب جعجع من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن تتخذ فرنسا هذه الخطوة.
داخلياً، على الرغم من عدم تصدُّر «القوات» المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية ميشال عون لأنّها «لا تفيد الآن، وقد تؤدّي الى وصول رئيسِ أسوأ»، إلّا أنّ المقاطعة القواتية لعون تامّة، ولا «اتصال» مع «التيار الوطني» إلّا نيابياً ظرفياً حول ملفات ميثاقية، مثل إقتراحي قانوني العفو العام والانتخاب. كذلك لم تؤدّ الأزمات كلّها التي يعيشها لبنان، الى إحياء التفاهم بين جعجع ورئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. وسقط الإتفاق الثلاثي الوحيد بين هذه الأطراف الذي حصل في معراب، في لحظته، إذ كان يقضي باستقالة ثلاثية من مجلس النواب، إلّا أنّ استقالة رئيس الحكومة حسان دياب أدّت الى تراجع الحريري وجنبلاط. فأحجمت «القوات» في هذه الحال عن الاستقالة المنفردة «التي لن تقلب الطاولة»، بل كانت سمحت بإمرار قوانين عدة، مثل قانوني العفو والانتخاب، أو عدم إقرار أخرى، مثل تعليق قانون السرّية المصرفية لسنة، لتسهيل التدقيق الجنائي، أو التمديد لشركة كهرباء زحلة، وفق ما تقول مصادر «القوات».
وفي حين استبقت «القوات» مطالب «ثورة 17 تشرين الأول 2019»، خصوصاً لجهة رحيل السلطة، إذ طرح جعجع هذا الأمر في اجتماع بعبدا الاقتصادي في أيلول 2019، داعياً الى تأليف حكومة مستقلين، اختارت «القوات» سلوك هذا المسار وحيدةً، باستقالتها من حكومة الحريري آنذاك، بعد يومين على «ثورة 17 تشرين» وقبيل استقالة الحريري.
منذ ذلك الحين، عملت «القوات» سياسياً تحت عنوانين – مطلبين: حكومة إختصاصيين مستقلين وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. هذان المطلبان يؤكّدهما جعجع إعلامياً وفي لقاءاته مع جميع مسؤولي الدول، بدءاً من لقاء قصر الصنوبر مع ماكرون، الى اللقاء الأخير مع سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا. ولجهة الانتخابات المبكرة، قدّم تكتل «الجمهورية القوية» إقتراح قانون لتقصير ولاية المجلس، إلّا أنّ رفض الأكثرية النيابية لهذه الانتخابات، أغلق الباب التشريعي أمام هذه الخطوة. أمّا لجهة الإتيان بحكومة اختصاصيين مستقلين، فانطلاقاً من هذا العنوان ـ الهدف، رفضت «القوات» تسمية السفير مصطفى أديب، على الرغم من طلب ماكرون ذلك شخصياً من جعجع.
ولذلك، رفضت «القوات» تكليف الحريري تأليف الحكومة، إذ إنّها لا ترى أنّ هناك أي فرصة قائمة مع الفريق الحاكم، وإنّ عرقلة التأليف وعدم ولادة الحكومة بعد مرور نحو شهرين على تكليف الحريري، وفي ظلّ أخطر وضع يمرّ فيه لبنان، دليل على صحة وجهة نظر «القوات» هذه، بحسب مصادرها.
لجهة تحالفات «القوات»، فالنتيجة لعام 2020، هي: «صفر». وذلك، لأنّ «القوات» تعتبر أنّ التحالفات تتطلب توافق الأطراف على الرؤية الوطنية نفسها، الأمر غير القائم. لكنها حين ترى أنّ هناك مصلحة وطنية لأي تقاطع فلن تقصّر في ذلك، بحسب مصادرها. لذلك، إنّ إنتقال «القوات» الى ضفة المعارضة لم يضعها في صلب «جبهة سيادية» في وجه «حزب الله» يعمل عليها «لقاء سيدة الجبل»، كذلك لم يضعها في تحالف مع «الكتائب» أو مجموعات «ثورة 17 تشرين». وتؤكّد المصادر نفسها، أنّ «القوات» منفتحة على «مجموعات الثورة» التي تلتقي معها فكرياً، وفي الرؤية الوطنية والهمّ السيادي – المالي – الاقتصادي – المعيشي بإنقاذ لبنان، ضمن الوضعية الاقتصادية اللبنانية، وليس الذهاب الى تغيير النظام الاقتصادي، كذلك وفق أي هوية للبنان نريد، والحياد والاستقلال ودور البلد الخارجي. فالمسألة بالنسبة الى «القوات» ليست بتسمية أي طرف بل بمشروعه السياسي.
وعلى الرغم من أنّ «القوات» لم تتمكّن من تحقيق أي من هدفيها في 2020، تقول مصادرها، إنّ «الأمور مرتبطة بأوقاتها، وقد يأتي ظرف سياسي يدفع مواقفها قدماً». مشيرةً الى أنّ البطريرك الماروني الراحل مار نصرالله بطرس صفير أطلق نداء أيلول عام 2000، إلّا أنّه أثمر في 14 آذار و26 نيسان من عام 2005 مع انسحاب الجيش السوري من لبنان، وبالتالي إنّ «المسألة ليست مرتبطة بمدة محدّدة، بل أن يتخذ الفريق السياسي موقفاً ويبني عليه، وفي لحظة سياسية معينة تحصل التقاطعات المطلوبة لتحقيقه».
وفي سنة 2021، ستستمرّ «القوات» في «المقاومة» التي سبق أن أعلنها جعجع، من خلال «المثابرة والنضال والمواجهة، للوصول الى غدٍ أفضل، وفي العملين التشريعي والقضائي»، كذلك في الضغط لتحقيق حكومة اختصاصيين مستقلين وإجراء انتخابات نيابية وفق القانون الحالي، ورفض أي تغيير في قانون الانتخاب و»حُكم العدد». أمّا عند طرح أي تغيير للدستور أو النظام أو لمؤتمر تأسيسي، فإنّ طرح «اللامركزية» جاهز، مثلما أكّد جعجع في أكثر من مناسبة، من دون أن يحدّد ما إذا كانت إدارية أو سياسية – فدرالية.