يسعى حزب «القوات اللبنانية» الى تحقيق هدف إجراء انتخابات نيابية مبكّرة عبر شتى السُبل المتوافرة. ويعتمد الآن طريقة ضغط جديدة لتحقيق هذا الهدف، بعد عدم وصول إقتراح قانون تقصير ولاية مجلس النواب الى خواتيمه، جرّاء امتلاك الغالبية النيابية ورقة منع هذه الانتخابات دستورياً، وبعد سقوط «الاتفاق الثلاثي» على استقالة جماعية من مجلس النواب في آب الماضي، نتيجة مقايضة تيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» استقالة حكومة الرئيس حسان دياب بعدم الاستقالة من المجلس. كذلك يبدو أنّ حليفي رئيس «القوات» سمير جعجع لن يُلاقيانه، الآن، لا الى مطلب الانتخابات ولا الى جبهة معارضة.
حدّدت «القوات» أخيراً آلية تواصل لتشكيل جبهة معارضة وقوة ضغط بهدف إجراء انتخابات مبكّرة. فهذه الانتخابات هي الخلاص الوحيد بالنسبة الى «القوات»، لأنّها ستُسقط الأكثرية الحالية المتمثلة بـ»حزب الله» وحركة «أمل» و»التيار الوطني الحر» وحلفائهم، وتأتي بسُلطة تشريعية جديدة تمهيداً لإعادة تكوين السلطة بكاملها.
وفي حين تعتبر «القوات» أنّ أساس نجاح هذه الجبهة «توحيد الهدف»، وهو: انتخابات مبكّرة وفق القانون القائم، لأنّ أي بحث في قانون جديد يفتح الباب أمام خلافات عدة لن تنتهي إلّا بعرقلة الانتخابات، يكمُن الإشكال الأساس عند هذه النقطة، إذ إنّ كلّاً من «المستقبل» و»الاشتراكي» يرفض إجراء انتخابات وفق هذا القانون الذي يعتمد النظام النسبي وتقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية مع الصوت التفضيلي على أساس القضاء.
وفي حين أنّ رئيس «التيار الأزرق» سعد الحريري هو الرئيس المُكلّف تأليف الحكومة العتيدة، تقول مصادر «المستقبل»: «إذ كانت الانتخابات المبكّرة عنوان جبهة فلا بأس، لكن هناك أمراً أساسياً هو قانون الانتخاب، ولا يبدو أنّ هناك مجالاً الآن للتفاهم مع «القوات» عليه، فهي تعتبر أنّ القانون القائم «الطائفي» انتصار عظيم، فيما أننا نعتبره أكبر انتكاسة وكارثة على العيش المشترك والتعددية». لذلك، بالنسبة الى «المستقبل»، يجب على هذه الجبهة أن تكون «واضحة المعالم»، كذلك «هناك خلافات يجب تسويتها قبل الذهاب الى أي جبهة».
وإذ تشير مصادر «المستقبل»، الى أنّ «طرح الانتخابات المبكّرة يحتاج الى موافقة مجلس النواب فيما الأكثرية لن توافق على هذه الانتخابات»، تذكّر بأنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري يسعى الى تغيير قانون الانتخاب. لذلك، يعتبر «التيار الأزرق» أنّ المعارضة «إذا طرحت مثل هذه الاقتراحات، سيتكتّل الآخرون في المقابل ويطرحون طروحات مضادة».
وبالتالي، فإنّ «المستقبل» يؤيّد أن تتوحّد الخيارات عند ما كان يُسمّى بفريق «14 آذار»، لكن على اساس «أهداف وعناوين يُمكن أن تصل الى نتيجة وليس أن تتسبّب بمشكلة جديدة». وفي المحصلة، إنّ جواب «المستقبل» على «القوات»، هو: «انّ الاتفاق على الانتخابات المبكّرة يتطلب الاتفاق على قانون انتخاب يسهّل حصولنا على أكثرية في مجلس النواب».
على ضفة «الاشتراكي»، يبدو أنّ رئيسه وليد جنبلاط متمسّك بـ»التموضع الوسطي». وتقول مصادر «الاشتراكي»، إنّ «المشكلة الأساسية في البلد لا تتطلب إعادة صوغ انقسامات عمودية، بل معالجة الانهيار الاقتصادي الكامل». وإذ تشير الى أنّ «لا خلاف مع «القوات» على المشكلة المركزية الأساسية السيادية، توضح «أنّنا نختلف في التكتيك المُتبع لمعالجة بعض المسائل ومنها الانتخابات النيابية المبكّرة، فنحن لسنا ضدّ إجراءها لكن ليس وفق القانون القائم الذي يحرّك الغرائز، وندفع ثمنه الآن بانهيار كامل للمنظومة. وهذا الأمر يتطلب نقاشاً مع «القوات» بهدوء لكن ليس على وقع هذه الأزمة الاقتصادية الكبيرة والانهيار الكامل». بالتالي، إنّ التركيز الأساس الآن بالنسبة الى «الاشتراكي»، يجب أن يكون على «المعالجة الأساسية، وهي تأليف حكومة إنقاذية لانتشال البلد من المستنقع الذي يقع فيه».
والى قانون الانتخاب، هناك اختلاف آخر حول مقاربة إسقاط السلطة بين «القوات و»الاشتراكي»، ففي حين يدعو جنبلاط الى استقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يعتبر جعجع أنّ استقالة عون في ظلّ الأكثرية النيابية الحالية لن تؤتي ثماراً بل قد تؤدّي الى الإتيان بـ»رئيسٍ أسوأ». وفي هذا الإطار، تسأل مصادر «الاشتراكي»: هل في استطاعة «القوات» رفع شعار انتخابات رئاسية مبكّرة في موازاة الانتخابات النيابية المبكّرة؟».
كذلك لا يرى «الاشتراكي» أنّ المخرج الفعلي من الأزمة يكمن في انتخابات مبكّرة، وتشير مصادره الى «أننا قوى 14 آذار حصلنا في عامي 2005 و2009 على الأكثرية ولم نتمكّن من فعل أي شيء، وعُطّل البلد لسنتين ونصف سنة الى حين انتخاب عون رئيساً للجمهورية، على رغم من أنّنا كنا نشكّل الأكثرية». لذلك، إنّ المسألة بالنسبة الى «الاشتراكي»، «أكبر من غالبية وأقلية نيابية، بل مسألة خيارات سياسية للبلد، ومشروع انقاذي، وهل له آفاق داخلية وخارجية؟ وهذا النقاش الذي يجب أن يحصل في البلد، ونحن جاهزون له».
في المقابل، تدرك «القوات» صعوبة تشكيل جبهة، في ظلّ تباعد مكونات المعارضة بنحوٍ كبير بطروحاتها ومواقفها وتموضعها، بحسب ما تقول مصادرها. لكن الهدف ممّا تسعى إليه، هو «إطلاق دينامية تُولّد ديناميات مقابلة، لا بدّ من أن تصل في نهاية المطاف الى بلورة تجمُّع مشترك تحت عناوين محدّدة».
كذلك، بالنسبة الى «القوات»، إنّ «تحقيق الهدف بالضربة القاضية صعب الآن»، وبالتالي هي تعمل على «تحقيق ضربات متلاحقة بالقطعة»، ومن هذا المنطلق تطرح «الانتخابات النيابية المبكّرة»، لأنّ ترجمتها ممكنة دستورياً، إذ إنّ «أي نظام سياسي ديموقراطي يلجأ الى الانتخابات عندما يحصل إقفال سياسي وضغط شعبي وأزمات متداخلة».
وتريد «القوات» من طرحها هذا أن «تدفع في النقاش المتصل بأولويات المعارضة قدماً، والى توحيد هذه الأولويات، إذ خلاف ذلك، فإنّ المنتصر الوحيد من هذا التشرذم هو فريق 8 آذار». إنطلاقاً من ذلك، إنّ سعي أي مكوّن من مكونات المعارضة الى جبهةٍ ما بمعزل عمّا إذا كانت «القوات» في صلبها أو خارجها، هو «تطور جيد في حدّ ذاته» بالنسبة الى «القوات»، إذ «لا يمكن أن تتوحّد المعارضات إذا لم تُشكّل نفسها ولم تنظّم صفوفها أولاً، مثلما حصل قبل عام 2005 وأدّى الى تكوين فريق 14 آذار في ذلك العام». وتعتبر «القوات» «أنّها أطلقت الآن دينامية قوية ستحافظ على زخمها»، وتشبّهها بطرح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لموضوع الحياد «الذي لن يتحقق فوراً، لكنه شكّل دينامية وسقفاً وولّد حالةً، في انتظار حدثٍ ما يضعه على بساط البحث الجدّي أو التطبيق».