ليس بالرغيف فقط يحيا الانسان، فالانسان مخلوق ذكيّ وحرّ، ولا يعيش بالغرائزية فقط، ففي الوقت الذي يتغذّى جسده بالطعام والماء، تتغذّى روحه بالفكر وتحيا بالكرامة وبالعطاء وبالتفاعل مع المجتمع، وبالوعي للحق الفردي والحقوق العامّة.
ولاننا في “القوات اللبنانية” ننظر للانسان من منظار حضاري، فإنّنا نلتزم بالدفاع عنه في كل المراحل، اي في زمن الغزوات والاحتلالات، انما كان التهديد على حياته، وفي زمن الاضطهاد والقمع، عندما زاد الخطر على العيش، امّا اليوم في زمن الخداع والالغاء الذي يتعرّض له شعب وطن الارز، فدفاعنا يتركّز على الوجود الانساني الحرّ في لبنان وعن الحقوق المدنية. اولويات معركتنا في هذه الفترة من زمن هذا الحكم الهادف لتركيع المواطن، ترتكز على تدعيم ذهنية الاحرار تحصيناً للمجتمع ضدّ محاولات السلطة للاستفادة من الضغوطات الاجتماعية والمعيشية لسَوقِ الناس الى الانصياع لحكمها الفاشل، كما على مواجهة من غزوا السلطة لكسر معنويات الشعب، وصولاً لاستسلامه عقلياً وفكرياً.
ليس بالرغيف فقط يحيا الانسان، وليس بتقتير الغذاء يركع الجوعان، وليس بقمع التحرّكات المدنية يتحوّل الاحرار الى تابعين، وليس بالفبركات الاعلامية الصادرة عن مكاتب متخصّصة بالتشويه والغوغائية يُخدع السياديون، وليس بممارسات اجهزة السلطة ينجح التوجيه للمجموعات الشعبية لتصبح بخدمة الحاكم الظالم.
لم تتفاجأ “القوات اللبنانية” بأداء السلطة الحاكمة ابداً، ولم تستغرب اهداف الفريق الالغائي الذي يُديرها، فـ”القوات” هي الجسد الذي عانى من شتّى انواع العذابات على مدى سنوات طويلة، وهي ذاتها العقل الذي ادرك ان اصعب انواع العذابات هي حملات تشويه الصورة ومؤامرة الضغوطات على القواعد من اجل الخضوع ونسيان القضية، ولكنها تُدرك كذلك ان لديها القدرة على افشال كل الخداع والنفاق، تماماً كما افشلت تلك المحاولات في السابق. فقضيتها الاساسية اليوم عدم السماح للسلطة بإلهاء الناس بمسائل ظاهرها بطولي، ولكن تأثيرها تمويهي وتدميري على عملية الانقاذ الحقيقية، ولذلك تتماسك مع الشعب للمساهمة في معركة احرار هذا البلد، ولتفضح نيات ومؤامرات السلطة ومسرحياتها وشيطناتها، وتنبّه من البطولات السخيفة التي تمارسها بعض اجهزة السلطة في المؤسسات الخاصة التجارية والمالية وغيرها، وتؤكد انها ليست إلا قنابل دخانية لاخفاء البؤر الحقيقية للفساد والافلاس. وتعرف “القوات اللبنانية” ان المعالجات الجذرية لمآسي البلد لا نتيجة منها الا عندما تبدأ من فوق، حيث تسكن الموبقات وتعتاش، وترشّ سمومها على ارجاء المنزل وزواياه، هناك حيث يتشكّل السقف المُظلّل، للدعم الشامل وللتهريب المتنوّع وللسلف الهادرة للخزينة وللسياسات الخارجية المُفرّطة بعلاقات لبنان الدولية.
تؤكد “القوات” دائماً ان مشكلة لبنان هي ادارة الدولة، وليس فقط عدم النجاح بتشكيل حكومة في لحظة اختلاف على الحسابات السياسية الضيقة، او سلبية اداء موظّف في ادارةٍ عامة، او مخالفة وزير او جشع مؤسسة خاصة، ومع اهمية مسؤولية كل هؤلاء عن الوضع المتردّي للادارة، ولكن المصدر الاساسي هو فوق، في مركز الحكم، وفي فريقه الفاسد، وفي من خلفه، من جهةٍ لها حساباتها الخارجية والاقليمية، والذي استطاع الاستفادة من وجود الفريق السلطوي في الحكم، لتحويله من رداء لبعض الابرياء الذين صدّقوه الى غطاءٍ للاشرعيين، ولا حل في لبنان من دون اسقاط هذا التحالف الشيطاني، إلا بإعادة انتاج السلطة، وإن بانت اليوم هذه الدعوة غير عملية ولكنها ستبقى الخطوة الاكثر تصحيحية وانقاذية.
(*) أمين سرّ تكتل “الجمهورية القوية”