Site icon IMLebanon

الانتشار القواتي يقول كلمته

 

ناقش المفكّر شارل مالك في كتابه ” لبنان في ذاته” الصادر في العام 1974، لبنان كياناً ومصيراً، وحدّد عشر خصائص تميّز لبنان عن غيره من البلدان، وإذا سقطت هذه الخصائص سقط لبنان. نذكرها كما أوردها مالك كالآتي:

 

1. هذا الجبل الفريد.

 

2. القرية اللبنانيّة الفذّة.

 

3. مركز لبنان السياحي الممتاز.

 

4. تجارته العالمية العجيبة.

 

5. ظاهرة الاغتراب اللبناني بكلّ ما تعنيه تاريخيّاً وكيانيّاً.

 

6. التواجد المسيحي الإسلامي السمح الرائع.

 

7. الحرّيّة الكيانيّة المسؤولة.

 

8. الانفتاح على العالم في المكان والزمان.

 

9. معنى لبنان الفكري المتواضع في الشرق الأوسط وفي العالم.

 

10. إسهام لبنان المتواضع في المعترك الدّولي.

 

من هنا، ننطلق من النقطة الخامسة التي أولاها شارل مالك في كتابه هذا أهميّة كبيرة لما تعنيه بالنّسبة إلى لبنان واللبنانيّين. فلقد ميّز مالك بين الأفواج اللبنانيّة التي غزت العالم. فالهجرة اللبنانيّة في التاريخ القديم شيء، والهجرة اللبنانيّة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين والواحد والعشرين شيء آخر. فما من أحد يعرف علميّاً حقيقة الهجرة الاحصائيّة. وقد يكون الادّعاء صحيحاً أنّ عدد المغتربين، أو المتحدّرين من أصل لبناني في الخارج، يفوق عدد اللبنانيّين المقيمين في لبنان. فالقصّة الكيانيّة للإغتراب اللبناني بجميع أبعادها الإنسانيّة الروحيّة لم تكتب بعد. وهنا بيت القصيد. الأزمات التي عصفت بلبنان منذ بدء الاغتراب اللبناني لم تكن مثل هذه الأزمة التي لا تطال ماليّة لبنان فقط بل إنّها تطال لبنان بكيانيّته. لذلك انتفض الاغتراب اللبناني الذي تحوّل عبر السنين إلى انتشار كيانيّ بامتياز. وما ميّز هذا الانتشار أنّه استطاع أن يحمل معه الكيانيّة اللبنانيّة أينما حلّ في العالم. واليوم يكتب الانتشار اللبناني الفصل الأوّل من البعد الإنساني الروحي الذي أشار إليه شارل مالك في كتابه “لبنان في ذاته”. نعم، إنّ الانتشار اللبناني نجح في أن يكون كيانيّاً صميماً؛ والمميّزون في جوهر هذا الانتشار هم القوّاتيّون الذين برغم ابتعادهم عن الأرض الأم، بقيت القضيّة اللبنانيّة في وجدانهم الكياني، وفكرهم الحضاري. فحملوا لبنان اليوم من كلّ صقعٍ من الأصقاع الأربعة التي انتشروا فيها، وتحرّكوا حيث لم يجرؤ الآخرون على التحرّك.

 

من نيجيريا، في قلب القارّة الأفريقيّة، أقاموا القداديس في لاغوس وبورت هاركورت وأبوجا، أكبر المدن النيجيريّة، ورفعوا الصلوات على نيّة ضحايا انفجار الرابع من آب، ولنهضة لبنان وذلك يوم الأحد في الثلاثين من شهر أيّار. كذلك في أوروبا، حيث بدأ الانتشار تحرّكه من بروكسل العاصمة البلجيكيّة في وقفة بالأعلام والشعارات اللبنانيّة والقوّاتيّة أمام مبنى البرلمان الأوروبي. واللافت في هذا التحرّك التّغطية الاعلاميّة من الاعلام البلجيكي الرسمي، مع موافقة السلطات البلجيكية برغم أزمة كورونا والاقفال العام على التجمّع في الساحة العامّة.

 

كذلك للعاصمتين الفرنسيّة والبريطانيّة حصّة قوّاتيّة كبيرة بدأت في المشاركة بالقداس الالهي على نيّة السلام والحياد في لبنان. وأيضاً في الولايات المتحدة الأميركية، وإيطاليا والفاتيكان، إضافة إلى الإمارات العربيّة المتحدة… كلّ هذه الدول تشهد تحركات لن تتوقف”. والرسالة باتت تصل أسرع عبر كتب تُسلّم إلى السفارات اللّبنانية في دول الخارج إضافة إلى وزارات خارجية هذه الدول. والأمور لم تقتصر على ذلك، فالاتحاد الأوروبي والدوائر البابوية، والأمم المتحدة، إضافة إلى جامعة الدول العربية أيضاً وُجهت إليها هذه الكتب.

 

أمّا بالنسبة إلى الوثيقة التي تكوّنت من نقاط أربع، فهي كالآتي:

 

1 – الاحتياطي الالزامي

 

– ليس من حق أي مسؤول في الدولة مهما علا شأنه، أكان رئيساً للجمهورية، أم رئيساً للحكومة، أم وزيراً للمالية، أم حاكماً للمصرف المركزي، أن يفكر مجرد تفكير باستعمال ما تبقى من مقتنيات ومدخرات المواطنين وجنى عمرهم.

 

– أيّ محاولة للمساس بالاحتياطي الإلزامي ستعرض مرتكبيها مهما علا شأنهم للملاحقة القضائية.

 

– سيكون للبنان عاجلاً أم آجلاً سلطات قضائية تلاحق من تسول له نفسه مد اليد إلى ما تبقى من مقتنيات الناس.

 

– لقد سبق لتكتل “الجمهورية القوية” ان تقدّم منذ شهرين باقتراح قانون معجل مكرر يرمي الى منع المسّ بالاحتياطي الالزامي.

 

– طالبنا هيئة مكتب مجلس النواب بإدراجه على جدول أعمال الجلسة الأولى للهيئة العامة، كي تقترن المطالبة السياسية بالنص القانوني المانع والواضح.

 

– تقدّم الدّكتور جعجع باقتراح عبر الدائرة القانونيّة للحزب يمكن بواسطته الحجز الاحتياطي على الاحتياطي الالزامي للودائع في مصرف لبنان من خلال خطوات قانونية عمليّة ليتمكّن المودعون من الحفاظ على أموالهم. ووضعت القوّات لهذه الغاية خريطة طريق قانونية واضحة لتقدّم على أساسها الشكاوى. كذلك عمّمت ثلاثة أرقام للإتصال يومياً للمتابعة.

 

2 – لجنة تقصّي حقائق

 

– طالبنا رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال بإرسال طلب ‏فوري إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يطالبان فيه بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية ‏لكشف ملابسات جريمة المرفأ.

 

– نهار الإثنين 22 شباط 2021 سلّم كل من النواب جورج عقيص، فادي سعد، عماد واكيم وماجد إيدي أبي اللمع نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان د. نجاة رشدي عريضة موقّعة من نواب تكتل “الجمهوريّة القويّة” تطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتشكيل لجنة تقصي حقائق دوليّة في انفجار مرفأ بيروت.

 

– “اللجوء إلى الأمم المتحدة للمطالبة بتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية لا يشكّل مساساً بالسيادة اللبنانية، فما يشكّل فعلاً مساساً بالسيادة هو إدخال نيترات الأمونيوم من دون رادعٍ”.

 

– انفجار المرفأ دمّر نصف العاصمة بيروت، وقد هزّ هذا الانفجار العالم من دون ان يهزّ ضمائر المسؤولين اللبنانيين الذي يعتبرون انه عن طريق عامل الوقت والنسيان باستطاعتهم طمس هذه الجريمة والتغطية على مرتكبيها، الأمر الذي لن نسمح بتحقيقه، وهذا ما يدفعنا إلى المطالبة بلجنة تقصي حقائق دولية من أجل الوصول إلى الحقيقة.

 

3 – أهميّة الحياد للبنان

 

– فكرةُ الحياد تعود بتعابير مختلفةٍ في خُطَب رؤساءِ الجُمهوريَّة وفي البيانات الوزاريَّة (62 بياناً وزارياً) وفي كلِّ بيانٍ وطنيٍّ يَصدُر عن هيئة حوارٍ وصولاً إلى 12 حزيران 2012 مع “إعلان بعبدا” الذي تمَّت الموافقةُ عليه بالإجماع وقد تضمَّنَ بوضوحٍ عبارةَ “تحييدِ لبنان”.

 

– كَشفت تجربةُ المئة سنة (1920/2020) من حياة دولة لبنان الكبير أنَّه يتعذَّر على لبنان أن يكون وطن الرِّسالة من دون اعتماد نظام الحياد. فالانحياز إلى صراعات دول الشَّرق الأوسط وشعوبه عابَ صيغةَ الشَّراكة بين المسيحيِّين والمسلمين بأوجهها الرُّوحيَّة والوطنيَّة والإنسانيَّة.

 

– إعلانُ حياد لبنان هو فعلٌ تأسيسيٌّ مثل إعلان دولة “لبنان الكبير” سنة 1920 وإعلان استقلال لبنان سنة 1943.

 

– الحياد يعني عدم دخول لبنان قطعياً في أحلافٍ ومحاورَ وصراعاتٍ سياسيَّةٍ وحروبٍ إقليمياً ودولياً؛ وامتناع أيِّ دولة إقليميَّة أو دوليَّة عن التَّدخُّل في شؤونِه أو الهيمنة عليه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراض عسكريَّة، ولكنه لا يعني إطلاقاً عدم الاستمرار بدعم القضية الفلسطينية بكل قوة.

 

– تعاطف لبنان مع قضايا حقوق الإنسان وحرِّيَّة الشُّعوب، ولا سيَّما العربيَّة منها التي تُجمِع عليها دولُها والأمم المتَّحدة.

 

– تعزيز الدَّولة اللُّبنانيَّة لتكون دولةً قويَّةً عسكرياً بجيشها وبمؤسَّسَاتِها وقانونها وعدالتها وبوحدتها الدَّاخليَّة وإبداعاتها، لكي تضمن أمنها الدَّاخليّ من جهة، وتدافع عن نفسها بوجه أيِّ اعتداءٍ برِّيٍّ أو بحريٍّ أو جوّيٍّ يأتيها من إسرائيل أو من سواها من جهة أخرى.

 

– الحياد ينقذ وحدة لبنان أرضاً وشعباً ويحيي الشَّراكةَ الوطنية المسيحيَّة – الإسلاميَّة المتصدِّعَة في كثيرٍ من الأمكنة.

 

4 – عودة اللاجئين السوريّين

 

– إنّ النازحين السوريين يشكّلون ثلث سكان لبنان، الذي يستضيف أكبر عدد من النازحين السوريين نسبة إلى عدد سكانه بحسب مفوضية اللاجئين، وتقدّر الحكومة اللبنانية وجود 1.5 مليون نازح سوري على الأراضي اللبنانية.

 

– يجب عـودة النازحــين الى بلدهــم بعد أن باتــت هنـــاك مناطق شاسعة آمنة في سوريا.

 

– إن الذين يقترعون ويهتفون من السوريين الموجودين في لبنان فداءً لحياة بشار الاسد هم بطبيعة الحال لا يعتبرونه خطراً عليهم وبالتالي يستطيعون العودة الى المناطق التي يسيطر عليها الاسد وسقطت عنهم صفة اللجوء.

 

– بحسب البند (ه) من الفقرة (C) من المادة الاولى من اتفاقية جنيف الدولية الخاصة باللاجئين الصادرة عام 1951: “يخسر صفة اللاجئ وتتوقف الاتفاقية عن التطبيق بحقّه، اللاجئ الذي لم يعد يخاف من سلطة موطنه الاصلي”.

 

– تقدّمت القوات اللبنانية بمبادرة مزدوجة على مستوى النازحين: عودة النازحين السوريين المؤيدين للنظام السوري فوراً إلى المناطق الخاضعة لهذا النظام، والطلب من المجتمع الدولي عموماً وروسيا خصوصاً إقامة منطقة آمنة على الحدود اللبنانية – السورية من الجهة السورية ونقل جميع النازحين المعارضين للنظام إليها، وتكون برعاية أممية وروسية من أجل إعادتهم إلى مناطقهم بعد توفُّر ظروف هذه العودة.

 

وتجدر الاشارة إلى أنّ حزب القوات اللبنانيّة قد أثبت مرّة جديدة بأنّه رائد الانتشار. فبتحركه بداية دفع الجميع إلى المشاركة بهذه التحركات لأنّ العناوين وحّدتهم. فاللبنانيّون لا يترقّبون من أحد إلا القوّات بأن تبادر لاستعادة استقلال لبنان. وذلك لأنّ الجسم القوّاتي هو جسم وجوديّ وكيانيّ وسياديّ قادر على استعادة الحياة من خلال تاريخه النضالي في الحياة الوطنية، لأنّه استطاع أن يحمل مشعل الأجداد ويحافظ عليه مضاءً، حتّى في أحلك وأظلم الفترات، يوم كان رئيسه الدكتور جعجع في معتقله السياسي. وهذا الحراك الانتشاريّ أتى تزامناً مع حراك للقوّات في الدّاخل، ما يؤشّر إلى وحدة القضيّة بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر، وهذا ما يثبت مجدّداً بأنّ القوات تعرف أن تحرّك الخارج بخدمة الدّاخل.

 

ومن المؤكّد أنّ هذه التحركات لن تكون الأخيرة بل قد تأخذ طابعاً مختلفاً في الأيام المقبلة. والآن بعدما قال الانتشار كلمته، سيمرّ لبنان الانتشار والمقيم بفترة ترقّب لردّة فعل المجتمع الدّولي. هل ستؤدّي هذه التحرّكات إلى إعادة وضع لبنان على سلّم أولويّات المجتمع الدّولي؟ أم أنّ قطار المفاوضات الكبرى الذي انطلق من واشنطن إلى طهران سيمرّ في لبنان؟ هل سيعيد السياسيّون اللبنانيّون حساباتهم بعدما عرّتهم القوّات اللبنانيّة بحراكها الإنتشاريّ أمام المجتمع الدّولي بوثيقة النقاط الأربع؟