وسط غياب أي أفق حلّ للملف الحكومي، تتركّز بعض الجهود على إجراء الانتخابات النيابية كوسيلة لإعادة إنتاج السلطة، بدءاً من مجلس النواب، مروراً بالحكومة وصولاً إلى رئاسة الجمهورية. الطريق ليس سهلاً، وسط توقعات معركة انتخابية محتدمة اذا حصلت الانتخابات في موعدها، نظراً لتبدّل المزاج الشعبي وخصوصاً لدى المسيحيين، التي تشير استطلاعات رأي أولية أجرتها بعض الأحزاب، إلى تراجع ملحوظ وتململ على مستوى الاحزاب والتيارات ولاسيما في قاعدة «التيار الوطني الحرّ» في العديد من مناطق كسروان والشمال وبيروت.
تخوض «القوات» معركة الانتخابات النيابية المبكرة، وهي في هذا الإطار، قدّمت اقتراح قانون لتقصير ولاية مجلس النواب في 17 آب 2020، وأرفقته برسالة وجّهتها منذ فترة قصيرة إلى رئيس المجلس نبيه بري، دعته فيها إلى إحالة الاقتراح الى الهيئة العامة للتصويت عليه، إلّا أنّ الاقتراح لم يُعرض على الهيئة العامة حتى الآن.
في الموازاة، لم تستطع «القوات» تكوين قناعة لدى الكتل النيابية للاستقالة من مجلس النواب، ولا عبر فرض أمر واقع يتمثل باستقالة كتل وازنة يؤدي إلى تقصير ولاية المجلس. هذا الواقع، لم يحجمها عن التمسك بأنّ فرصة الإنقاذ، والولوج الى الاصلاحات المطلوبة دولياً وتحقيق نقلة نوعية بالتغيير، لا تتحقق إلّا من خلال انتاج سلطة جديدة. لذلك تؤكّد «القوات» أنّها وفية لهذا الطرح، المتمثل بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتشكيل حكومة جديدة بعدها وانتخاب رئيس جمهورية جديد.
تعطيل الانتخابات
بالتزامن، مسألة إثارة الفريق الحاكم إجراء بعض التعديلات على قانون الانتخاب لتأجيل الانتخابات، لا تستبعدها «القوات». لكنّها ترى أنّ هناك عوامل قد لا تساعد هذا الفريق في تحقيق مآربه، إنْ بسبب الأزمة المالية المتفاقمة أو الأزمة السياسية أو الشكوك الشعبية بمشروعية المجلس النيابي بعد 17 تشرين 2019، إضافة إلى ضغوط المجتمع الدولي الذي يعتبر انّ إجراء الانتخابات النيابية في موعدها خط أحمر. من هنا، تعمل «القوات» وفق 3 اتجاهات.
الاتجاه الأول، التواصل مع المجتمع الدولي، ومحاولة دفعه لتبنّي مسألة الانتخابات النيابية المبكرة، في ظل اعتباره انّها مسألة تتعلق بالقوى السياسية في الداخل، وثانياً، عبر دفعه إلى تبنّي او صياغة عقوبات تصدر عن مجلس الأمن في حال حصول أي تأجيل للانتخابات النيابية، وثالثاً، دفعه لإصدار قرار عن مجلس الأمن يُلزم بإجراء الانتخابات في موعدها.
أما الاتجاه الثاني، فالتحضير لموقف مدوٍ في حال جرت محاولات تمديد البرلمان، إذ سيكون هناك عمل جدّي لحث الناس على تنفيذ انتفاضة حقيقية تجاه التمديد. وسيتزامن هذا العمل مع الاتجاه الثالث، الذي يقضي التنسيق مع قوى سياسية أخرى، لتكون هناك استقالات جماعية من البرلمان.
الاستطلاعات
في المقابل، ترى «القوات» أنّه «من المبكر الحديث عن تحالفات انتخابية، ولكن ما هو حاسم بالنسبة اليها، أن لا تحالف انتخابياً خارج إطار التحالف السياسي والقناعة السياسية والوطنية».
وفي تقييم موضوعي للمسائل، تقول «القوات»، «رفضُ الانتخابات المبكرة متأتٍ من وجود خوف مزدوج لدى الفريق الحاكم. أولاً، الخوف من خسارته الأكثرية النيابية في ظلّ الرأي المتحول شعبياً، والخوف من خسارة الأكثرية المسيحية». وربطاً بذلك، توضح مصادر إحصائية أنّ التقديرات في هذه المرحلة تشير إلى أنّ الطرف المسيحي الذي كان يمثله الرئيس ميشال عون، والذي كان يحوز على أكبر كتلة نيابية في العام 2018، يتراجع لصالح «القوات»، على المستوى الحزبي، في الأماكن التي أُجري فيها استمزاج آراء، مثل عكار وبعض قرى الشمال، وقرى كسروان والعاصمة بيروت».
استعادة الدور المسيحي
وبحسب «القوات»، «هذا يدل الى انّ هناك تغيّراً في المزاج المسيحي وفي الدور المسيحي. وسننتقل من وظيفة مسيحية وبرلمانية تغطي سلاح «حزب الله» إلى دور مسيحي وطني يرفض تغطية سلاح الحزب وأي سلاح خارج الدولة، بل داعم لمشروع قيام الدولة، ولمشروع تطبيق الدستور، ولمشروع الحياد.
وتشدّد على أنّها «تمثل الخط الماروني اللبناني منذ قيام الكيان اللبناني لجهة الحفاظ على دور لبنان في محيطه، والعلاقة مع الغرب، والحفاظ على التوازن القائم، والمطالبة بالحياد ومشروع الدولة. و»القوات» تشكّل استمرارية هذا الخط التاريخي المسيحي في لبنان، الذي ضُرب مع الحالة العونية، والتي تسعى «القوات» عبر الانتخابات النيابية المقبلة الى ان تعيد له الاعتبار، على حساب المشروع الآخر الذي يغطي سلاح «حزب الله». لذا، هناك خوف لدى «حزب الله» من انّه مع تراجع حليفه، سيكون امام خسارة أكثرية نيابية من جهة، وخسارة تغطية مسيحية لسلاحه من جهة أخرى. وتصبح تغطية الكتلة المسيحية الأكبر لمشروع الدولة وليس لمشروع الدويلة.
وتستبعد «القوات» «حجم الاستطلاعات التي تشير الى وجود نحو 70% من الرأي العام اللبناني المتحوّل رافضاً للأحزاب السياسية، وخصوصاً لدى المسيحيين.
موضوع الحياد
وتسعى القوات الى استثمار قدرتها الاغترابية في سبيل دعم مبادرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. فإضافة إلى التواصل والتنسيق المستمرين بشكل شبه أسبوعي بين الدكتور سمير جعجع والبطريرك الراعي، تجهد قوات الانتشار على التواصل مع القنصليات والسفارات، لدعم مبادرة البطريرك. فمسألة بحجم الحياد، لا تتحقق بليلة وضحاها بل عبر مسار تراكمي داخلي وإرادة خارجية.
العلاقات الدولية
انطلاقاً من هنا، يمكن الولوج إلى علاقات «القوات» الخارجية، إذ تؤكّد انّه نتيجة المتابعة مع الرياض وبعض دول الخليج والأميركيين، لا تخوّف على تلزيم لبنان لأي طرف إقليمي وتحديداً لإيران. لا بل ترى انّ الطرف الآخر هو المأزوم.
وتوضح، انّ «أي انفتاح سعودي – سوري مرهون بفك الارتباط بين سوريا وإيران. وموضوع سيادة الدول العربية بالنسبة للسعودية يشكّل اولوية من أجل وضع حدّ للاختراقات الايرانية، خصوصاً انّ «حزب الله» اصبح يشكّل حالة قلق لكل الدول العربية. لذلك، اي تسوية مع ايران ستكون على قاعدة واضحة، ترسيم لدورها العسكري والأمني والسياسي على مستوى المنطقة ومن ضمنها لبنان».