حركات، ومبادرات، وجبهات كثيرة، نراها تبزغ في كل مرّة تتطلبها ظروف المرحلة السياسية. «الجبهة السيادية من أجل لبنان»، بحسب ما يقول أحد مكوّناتها، لم تولد من عدم، إنما بسبب الحاجة الوطنية إليها، والمصلحة الوطنية التي تفترض وجود جبهة متماسكة، متراصة، صلبة، لمواجهة طرف مسلح، يحظى بدعم إيراني واضح، ولا يمكن الموازنة معه إلّا من خلال جبهة سياسية يمكنها الوقوف بوجهه.
أيّ مواجهة تنطلق منفردة لا يمكن أن يُكتب لها النجاح أمام حجم البنية العسكرية والتسليحية التي يملكها «حزب الله» حامي المنظومة الحاكمة، والذي هو جزء منها، خصوصاً أنّ «الوسائل الديموقراطية غير متوفرة في قاموس الحزب، كما يقول مصدر في «الجبهة السيادية»، وتجارب الأمس القريب تثبت ذلك، وسط الدعم المالي والعسكري والسياسي الكبير من الجمهورية الاسلامية الإيرانية».
وُجدت الجبهات السياسية في مراحل مختلفة من تاريخ لبنان، في مرحلة الحرب اللبنانية، كان يوجد «الحركة الوطنية» و»الجبهة اللبنانية». وفي مرحلة 14 و 8 آذار، كان لقاء «قرنة شهوان»، الذي خوّل القوى المسيحية آنذاك، ولاحقاً مع كل القوى الوطنية، على خوض المواجهة ضمن إطار الصف الواحد والموقف الواحد.
وعلى رغم الخيبات التي عكسها قادة 14 آذار، نجحت حركة 14 آذار بإرساء نوع من التوازن مع فريق 8 آذار الذي يتزعمه «حزب الله»، على رغم الاغتيالات والتفجيرات ومحاولات الاغتيال واستخدام الحزب سلاحه في الداخل اللبناني في 7 أيار 2008 من أجل قلب الطاولة. فاستطاعت 14 آذار أن تشكّل مصدر صمود ومواجهة في وجه مشروع الحزب للسيطرة على البلد آنذاك، والوقوف بوجه سطوة السلاح.
ويعتبر المصدر، أنّ «جرّ «حزب الله» إلى مواجهة ميدانية في 7 أيار، لم يكن ليحصل لو لم تنجح 14 آذار في تحقيق التوازن وتشكيل قوة ردع سياسية بوجهه. فيما يُعتبر «حزب الله» اليوم الطرف الأكثر ارتياحاً على المسرح السياسي لغياب جبهة سياسية تواجهه، وهو يستغل هذا الانقسام داخل الساحة السياسية».
وجود جبهة سياسية جديدة يخلق تشكيكاً في حصولها على التأييد الشعبي والدولي، خصوصاً بعد الخيبات المتتالية التي حصدها المواطنون من السياسيين، وهو أمر أساسي ويضعها تحت اختبار النجاح.
هذا، يقرّ به القيّمون على الجبهة، وهم يعملون لتدارك أي أخطاء أو إعادة إنتاج مثل الأخطاء التي ارتُكبت في مرحلة 14 آذار نتيجة التسويات والاستسلام. وترى مصادر «الجبهة»، أنّ عملها سيولّد تأييداً شعبياً لها في الداخل، وكذلك سيمكّنها من ان تحظى بدعم دولي. وتقول: «على سبيل المثال، إنّ ثورة 17 تشرين حظيت بتأييد دولي وغربي، لكن بما انّها لم تنتظم ضمن جبهة محدّدة وحركة منظّمة لم تستطع ان تحظى بدعم واضح المعالم على غرار ما نجحت به 14 آذار، التي انتزعت قرارات دولية وبيانات رئاسية عن مجلس الأمن وغيره».
كما يدرك المؤسسون والقيّمون على هذه الجبهة، خطورة التموضع داخل أي إطار طائفي، خصوصاً أنّ التجارب اثبتت أنّ أيّ مواجهة، وخصوصاً مع «حزب الله» تتطلّب أن ترتدي طابعاً وطنياً شاملاً، عماده جناحا لبنان المسيحي والمسلم. من هنا، فإنّ الجبهة السيادية ليست جبهة مسيحية بل وطنية، تقول المصادر. صحيح انّه لا يوجد لغاية اليوم قوى وأحزاب ظاهرة سنّياً ودرزياً وشيعياً، لكن هي موجودة، وهناك مروحة من تلك الشخصيات التي لم تظهر بعد».
وتضيف: «عندما تمّ إنشاء «لقاء قرنة شهوان» كانت المرحلة تتطلب إنشاء جبهة مسيحية، اما اليوم بعد العام 2005، لا حياة لأي حركة أو لقاء أو تجمّع، إذا لم يكن لديه طابع وطني، ولذلك من ينظر في دفاتر الجبهة السيادية، يرى انّها تضمّ مسيحيين وشيعة ودروز. علماً أنّ الأمور مع الوقت ستتيح للجبهة التوسع لتضمّ في صفوفها كل من يريد من «القوى السيادية» أن ينضمّ، في إشارة إلى «تيار المستقبل» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، لأنّ المواجهة مع «حزب الله» تتطلب اصطفافاً من طبيعة وطنية، على أن تبدأ في وقت لاحق ثمار تحقيق الأهداف بالتراكم، وستكون هناك إطلالة جديدة للجنة المتابعة هذا الأسبوع، من أجل التحضير لمؤتمر عام قريب ووضع خطة العمل على سكة التنفيذ».
وللمرة المئة تجدّد الجبهة انّها بعيدة كل البعد عن أي هدف انتخابي، وأنّ حياتها أو موتها لا يقتصران على موعد الانتخابات النيابية. «كل طرف فيها يستطيع أن يخوض الانتخابات بالشكل الذي يريده ويناسبه، بحسب المصادر، لكنّ هدفها وطني والتحضير للمرحلة المقبلة، لأنّه لم يعد من الجائز استمرار الوضع تحت حكم وقبضة «الحزب»، وحان الوقت للذهاب باتجاه إخراج لبنان من الوضع الذي هو فيه، وهو أمر غير ممكن إلّا من خلال وجود جبهة سياسية».
من جهتها، تنفي «القوات اللبنانية» كل ما يُشاع عن انّها تختبئ وراء أو في «الجبهة السيادية»، بل تؤكّد مصادرها لـ»الجمهورية» أنّها لطالما سعت إلى إنشاء جبهة من هذا النوع».
وتضيف: «على رغم حيثيتها التمثيلية الواسعة في لبنان والانتشار، وعلى رغم تنظيمها الحديدي وحضورها الواسع، فإنّ «القوات» على دراية تامة بأنّها لا تستطيع منفردة ان تحقق الإنجاز الوطني المطلوب، بالعبور إلى الدولة واستعادة السيادة، إلّا من خلال جبهة سياسية. لذلك، عندما دُعيت من قِبل حزب «الوطنيين الأحرار» لبّت الدعوة سريعاً، وأعطى الدكتور سمير جعجع توجيهاته من أجل ترجمة هذا التعاون مع الأحرار، إيماناً بأنّ وحدة الموقف ووحدة الصف مدماكان مهمّان لتحقيق الأهداف المنشودة».
وتؤكّد «القوات» أنّها باقية في هذه الجبهة وبعمل فعّال، وكل من لا ينخرط في هذه الجبهة لاعتبارات ذاتية أو حسابات صغرى فهذا شأنه، لأنّه اذا كان يعتقد أنّه يستطيع ان يواجه «حزب الله» منفرداً فهو مخطئ، لكن هذه الأطراف المزايدة التي تسوّق اتهامات وكلاماً بحق «القوات»، هدفها تسجيل بعض النقاط ونحن على أبواب الانتخابات النيابية انطلاقاً من خطابات شعبوية».
«الجبهة» تنتظر الجلسة العامة لمجلس النواب لتبني على الشيء مقتضاه في ما خصّ مسألة اقتراع المغتربين، على رغم تشدّدها أنّها مسألة مهمّة وضرورة ولا يجب ان تمرّ. وهي كانت اكّدت سابقاً على لسان رئيس الأحرار دوري شمعون، انّها لن تسكت وستتحرّك من أجل تنفيذ هذا الحق للمغتربين. وتقول مصادرها: «الأمور لا زالت غير محسومة لغاية اللحظة، في ظلّ إصرار فريق واسع وفي طليعته تكتل «الجمهورية القوية»، على انتخاب المغتربين للـ128 مقعداً وليس لـ6 مقاعد فقط، انطلاقاً من قناعة «القوات» بأنّه لا يجوز فصل 6 نواب للاغتراب، الذي له الحق في المشاركة في إعادة إنتاج السلطة في لبنان».
وفي هذا السياق، تقول «القوات»، إنّ اهمية انتخاب الاغتراب المباشر للـ128 نائباً هي تخويله ان يكون على تفاعل مباشر وتواصل مع بيئته وأهله ومعني بشؤون بلده وببلدته، ومن زاوية اخرى ان يكون على تفاعل مع الشأن الوطني والتغيير على مستوى الوطني».
حكومياً، إذا نجحت الحكومة في أن تخفف من آلام الناس ووجعها وغضبها بسبب التردي الاقتصادي والاجتماعي فهذا جيد، وفي حال لم تنجح فسيكون لكل حادث حديث. أما الأولوية بالنسبة لها فهي من طبيعة سيادية. وهي تحرير القرار الوطني من القبضة الايرانية ومن قبضة «حزب الله».
وتختم مصادر «الجبهة»: «بالنسبة للجبهة الخيارات محدودة بثلاثة لا رابع لها: الخيار الأول هو الاستسلام، ونحن لسنا في وارد الاستسلام وأن نكون ذميين. الخيار الثاني، الهجرة ونحن لسنا في وارد الهجرة. ويبقى الخيار الثالث وهو المواجهة، وسنواجه على غرار ما حصل إبّان الاحتلال السوري، علماً أنّ الظروف الداخلية والدولية والعربية اليوم أفضل مما كانت عليه آنذاك، وبالتالي القدرة على إبعاد الوصاية الإيرانية عن لبنان ودفع «حزب الله» تسليم سلاحه هي أفضل، وهناك خطة لبدء التواصل مع المجتمعين العربي والغربي، لأنّه لا يمكن المواجهة إلّا وفق ميزان قوى داخلي وخارجي».
في الماضي القريب، والحديث عن تجربة 14 آذار، قيل الكثير، لكن الفعلة كانوا قليلين. اليوم الحصاد كثير، والمطلوب قادة ومقاومون على قدر الأخطار. هل تنجح الجبهة السيادية في تحقيق العناوين السيادية، وحمل رسالة بكركي بجرأة وصلابة، وأمانة كل شهيد سقط من أجل لبنان، وفي أن تكون على قدر تحدّيات المرحلة. اختبار صعب، لكن لا خلاص من دونه.