منذ لحظة حصول أحداث الطيونة اشتَمّ «قواتيون» رائحة تركيب ملف «سيدة نجاة» جديد، وكانوا على يقين أنّ هناك «شيئاً ما» مُفتعلاً ليؤدّي الى إحالة هذه الحوادث الى المجلس العدلي. في الوقت نفسه كان «القواتيون» متيقنين من عدم تورُّطهم لا بـ»كمين» ولا بأي ممّا يُساق ضدهم، وردّوا على محاولة «الاستهداف» مسبقاً، معلنين أنّهم مع التحقيق الكامل في حادثة الطيونة وعدم ممانعتهم إحالتها الى المجلس العدلي، فهم «براء» ممّا حصل.
لكن على رغم بيان الجيش ثمّ كلام وزير الدفاع وكلّ الفيديوهات الموَثّقة والمنتشرة التي تُظهِر دخولاً مسلّحاً لعناصر من «حزب الله» وحركة «أمل» الى عين الرمانة، حيث واجه الاهالي هذه «الغَزوة»، من دون ظهور حتى الآن أي استهداف من جانب الاهالي أو «قواتيين» للمتظاهرين أو للشياح ومناطق أخرى، ما زال «الثنائي الشيعي» يصرّ على أنّ الذي حصل «كمين قواتي»، مُتوعداً بالرد عبر الدولة والقضاء، وإذا لم يحصل ذلك، فـ»لن نترك دماءنا على الأرض».
هذا في حين أنّ الجيش أوضحَ ليلة الخميس في 14 من الجاري ما حصل في ذلك اليوم في الطيونة، وأعلن، في بيان، أنه «أثناء توجّه عدد من المحتجين الى منطقة العدلية للاعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة – بدارو، ما أدّى الى مقتل عدد من المواطنين وإصابة آخرين بجروح». وعلى رغم أنّ التحقيقات ما زالت جارية ولم تُعلن بعد، أكد وزير الدفاع الوطني، الاسبوع الفائت، أنه «لم يكن هناك أي كمين»، وأشار الى أنّ تظاهرة «أمل» و»الحزب» في اتجاه قصر العدل في بيروت شهدت انحرافاً الى بعض الشوارع الفرعية.
كذلك خرجت أصوات عدة تؤكد «الغَزوة» على عين الرمانة، وأنّ الاهالي، وبمعزل عن انتمائهم السياسي، «دافعوا عن أرواحهم وممتلكاتهم في وجه الاقتحام المسلّح والاعتداء والتكسير»، ومنهم رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» سامي الجميّل الذي زار المنطقة، إضافةً الى عدد من الجهات والشخصيات السياسية. فلماذا التصويب على جعجع و»القوات» فقط؟ وهل إنّ أهالي عين الرمانة، في حال لم يكن بعضهم يُناصر «القوات»، أو لو لم تكن «القوات» موجودة، ما كانوا ردّوا الهجوم المسلّح على منطقتهم؟ هذه الاسئلة يطرحها «قواتيون» وكثير من اللبنانيين الذين أيّدوا الدفاع المشروع عن النفس.
إنطلاقاً من هذه الوقائع، تتعزّز لدى «القوات» فكرة تركيب ملف جديد للحزب ورئيسه مثلما فعل السوريون عام 1994. وبدأت الدعاوى بحق جعجع في أحداث الطيونة، بالتوازي مع تناقل وسائل إعلام أنباء عن أنّ النظام السوري وجّه الى «الإنتربول» مذكرة دولية لاعتقال جعجع، لِتهم عدة موجّهة إليه. فهل تتخوّف قيادة «القوات» من ملف «سيدة النجاة» جديد؟ وكيف ستواجه «تهديدات» نصرالله وهذه الدعاوى؟
بالنسبة الى المذكرة السورية الى «الانتربول»، تقول مصادر «القوات»: «إذا كان يجب أن يوقِف الانتربول أحداً فهو بشار الاسد»، وتعتبر أنّ «هذه مزحة سَمجة». وفي حين أنّ جعجع سيرد على نصرالله في حوار تلفزيوني مساء اليوم، سبق إطلالته مواقف لمسؤولين في «القوات» أكدت التَيقّن من «البراءة» في ملف الطيونة، إضافةً الى «عدم الخوف من تهديد نصرالله، والتمسك بحق أهالي أي منطقة بالدفاع المشروع عن النفس».
وترى «القوات» أنّ نصرالله حاول القيام بما سبق أن قام به النظام السوري، فـ»لم يكن هدف النظام السوري محصوراً فقط في حلّ الحزب عن طريق تفجير هذا النظام كنيسة سيدة النجاة، إنّما الهدف الأساس خلف الفَبركة الأمنيّة هو سياسي بامتياز، وهو: ترهيب القواتيين واعتقالهم وملاحقتهم لتفكيك جسم «القوات» لتعطيل أي فعالية سياسية لها، إضافةً الى شَيطنتها لدى المسيحيّين بغية نزع الشرعية المسيحية عنها، كذلك شيطنتها لدى الرأي العام اللبناني بتصويرها انعزاليّة وتقسيميّة».
لكن بالنسبة الى «القوات» لا يمكن أن ينجح نصرالله بما نجح فيه النظام السوري، إذ «على رغم خطف «حزب الله» لقرار الدولة الاستراتيجي واستخدام سلاحه تحقيقاً لأهدافه، إلا أنّ لبنان ليس تحت سطوته على ما كان عليه إبّان الاحتلال السوري الذي كان يحظى بغطاء خارجي لا يحظى به «الحزب»، والظروف الآن الداخلية والخارجية تختلف عن مطلع تسعينات القرن الماضي، ما يعني استحالة التلفيق والتركيب، خصوصاً أنّ ما جرى في «الخميس الأسود» كان واضحاً لجهة كيف دخلت المجموعات وافتعلت الإشكالات وتعدّت على الناس وممتلكاتهم، وكان قد سبقَ هذا الخميس وعيد وتهديد على مدى أشهر».
كذلك ترى «القوات» أنّ «محاولات نصرالله شيطنتها لدى المسيحيين والرأي العام اللبناني فاشلة، إذ إنّ هذا الرأي العام وصلَ الى اقتناع بأنّ «القوات» هي من قلّة قليلة لم تخضع لترهيب «حزب الله» وترغيبه، ولم تبدِّل قيد أنملة في مواقفها وأهدافها، وهي الأقدر على مواجهته سياسياً بفِعل حيثيتها الكبرى، وبقدر ما تتحصّن «القوات» وطنياً يتحصّن مشروع الدولة في مواجهة مشروع الدويلة».
أمّا مواجهتها لـ«حزب الله» فستستمرّ على ما كانت عليه، بالزخم والموقف والقوة نفسها، وبعنوان: «السيادة والدولة». وتقول مصادر «القوات»: «هم حاولوا أن «يَطحَشوا»، وهم من عليهم أن ينكفئوا. لقد حاولوا الدخول الى منطقة حيث واجَههم الاهالي. أمّا مواجهتنا لهم فلم ولن تتبدّل، وهي مواجهة واضحة المعالم بالسياسة تحت عنوان الدولة، لا انكفاء عنها، فلا يخيفنا أي شيء أو يدفعنا الى التراجع، ومستمرّون في العناوين السيادية نفسها. هم حاولوا «الهَجمة» العسكرية بغزوة، والاهالي صَدّوهم». وتشير الى أنّ «هَجمتهم بدأت منذ 4 أشهر على القاضي البيطار، وعندما لم يتمكنوا من إيقافه بالوسائل القضائية والسياسية حاولوا إسقاطه بالوسائل العسكرية من بوابة عين الرمانة، وفشلوا. أمّا نحن فلم نبدّل شيئاً في مسار مواجهتنا».
وعلى صعيد التوقيفات من جهة عين الرمانة، تشير مصادر «القوات» الى أنّ «الموقوفين هم من الاهالي الذين دافعوا عن بيوتهم وأولادهم وكرامتهم أمام «الغزوة» التي حصلت»، وتلفت الى تشكيل هيئة محامين بطلب من لجنة الاهالي ستدافع عن الموقوفين الذين واجهوا «الغزوة»، كذلك بدأت هيئة المحامين بتحضير الملفات عن التدمير الذي حصل، لكي تقدّم شكاوى بحق كلّ من انتهكَ هذه المنطقة وأملاك أهلها وحطّم السيارات والمنازل.