بين التحالفات الموضعية والتحالفات السياسية فارق كبير، وبين مسمى التحالف الانتخابي والتحالف السياسي فارق أكبر، هذا ما أدّى حتى الى فرملة الحوار بين حزبي الكتائب و«القوات اللبنانية»، وما سيؤدي حكماً الى فرملة اي كلام عن تحالف كبير يجمع قوى معارضة لمشروع «حزب الله».
يقول احد الاقطاب المعارضين للتسوية مع «حزب الله» إنّ النائب سليمان فرنجية أصاب حين قال إنّ التحالف مع الرئيس ميشال عون هو تحالف مع «حزب الله»، إذ لا يمكن الفصل في الخيارات الاستراتيجية بين عون والحزب، ويصبح موقع المتفاهمين مع «التيار الوطني الحر» حكماً في خانة المتحالفين مع الحزب، وهنا الصعوبة في التحالف معهم.
تواجه «القوات اللبنانية» هذه العقدة، فهي في الوقت الذي أوشكت على أخذ الخيار في اتّجاه التحالف مع الكتائب واللواء أشرف ريفي والدكتور فارس سعيد، تعرّضت لهجمة عاطفية من تيار»المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، وفجأة فتحت الأبواب وذهب الموفدون الى معراب، واستعاد الوزير ملحم الرياشي رقمه القياسي في تحقيق وترميم التفاهمات، وأدّى ذلك في المقلب الآخر الى نقزة عبّر عنها النائب سامي الجميل، فيما فضّل البعض الآخر الصمت.
فلسفة «القوات اللبنانية» في فتح الأبواب والخيارات تقوم على اعتبار أنّ إمكانية التفاهم ممكنة مع الجميع باستثناء «حزب الله»، فمع عون ممكنة على أساس «تحقيق المصالحة المسيحية»، ومع الرئيس سعد الحريري ممكنة على أساس «التمسّك بشريك مسلم قوي في المعادلة الوطنية»، ومع النائب وليد جنبلاط ممكنة للحفاظ على مصالحة الجبل، ومع الكتائب ممكنة على أساس «رفقة النضال»، ومع اللواء أشرف ريفي ممكنة لأسباب وأسباب، أما عن التحالفات الانتخابية فهي ليست حتمية مع جميع الأطراف، والأولوية هي لتفاهمات سياسية تردم الهوّة بين القواعد الحزبية، وبعد ذلك كل الخيارات مفتوحة، بما فيها التحالف الانتخابي مع المتناقضين (باستثناء حزب الله)، إنها فكرة التحالفات الموضعية.
لم يكن الكلام الذي قاله النائب سامي الجميل عن حواره مع «القوات اللبنانية» سوى تعبير عن اختلاف النظرة الى هذا الحوار. الكتائب تتمسّك بخوض الانتخابات على أساس لوائح للمعارضة في وجه لوائح للسلطة، تطلق على هذه المعارك صفة الاسود والابيض، اما «القوات» فتتمسّك بالخيارات المفتوحة وتعرض التعاون على الكتائب، وترفض أسرها في اطار المعركة بين معارضة وموالاة، أي بالترجمة العملية لا تريد «القوات» من أجل التحالف مع الكتائب أن تستقيل من الحكومة، ولا أن تقفل الباب امام استعادة العلاقة الجيدة مع «المستقبل» و»التيار»، وهما باتا قوّتين حليفتين، إحداهما تتحالف مع «حزب الله».
وفيما تتّجه الكتائب الى خوض معركة الاسود والابيض مع حلفاء سياسيين ومدنيين، فوتحت بالمشاركة في نيل مقعد في بعبدا ـ عاليه ضمن لائحة جنبلاط ولم تبدِ تجاوباً، فيما تستمرّ الاتصالات عبر كثير من القنوات لترتيب تحالفات يحتاجها المشاركون في السلطة، إن لجهة تخفيف الضغط الإقليمي الممارَس على بعضهم لكي يفكّ تحالفاته مع قوى 8 آذار، أو لجهة قطع الطريق على ولادة لائحة تحمل المشروع السيادي تكون بفعل مشاركة مَن صنعوا التسوية، نعياً لها واعترافاً بأنّ هذه المغامرة قد وصلت الى النهاية.
وفي وقت لم يعد ممكناً الانتظار للبدء في الحوارات الجدّية حول التحالفات، يفاوض كل طرف بسقف مرتفع، وترتفع مع السقوف ادّعاءاتُ امتلاك الحواصل الانتخابية، التي لا تحتاج الى مدّ اليد لأيّ طرف آخر، لكنّ حقيقة الارقام والاحجام تكشف أنّ القدرات الحزبية الذاتية عاجزة منفردة عن خوض معارك إلّا التي تصنّف في خانة المعركة المحلّية والموضعية، فيما يشعر المتحاورون بأنهم امام مسؤولية صوغ تحالف سياسي لا ربط نزاع انتخابياً.