إنطلقَ الحوار بين حزبَي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، ويَحرص الجانبان على إبقائه بعيداً من الإعلام، حتى تحقيق التقدّم المطلوب، علماً أنّ مجرّد عودةِ قنوات التواصل يعني أنّ الطرفين باتا يَشعران بضرورة العيش معاً، بعد أن تغيَّر كثيرٌ مِن الظروف التي رافقت ولادة التسوية الرئاسية، وصولاً إلى استقالة الرئيس سعد الحريري والعودة عنها وتكريس تحالفات جديدة ستُترجَم في أيار المقبل.
وتشير المعلومات إلى أنّ اللقاءات «القواتية» ـ «الكتائبية» تنعقد بوتيرة منتظمة، وكلّفت «القوات» النائب فادي كرم الذي يتولى التواصل.
تلخّص المعلومات الأجواءَ التي رافقت هذا الحوار وسبقته بالآتي:
أوّلاً: أصبح من المسلّم به أن لا تحالف بين «القوات اللبنانية» وكلّ من «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، لأسباب عدة. فـ«المستقبل» و«التيار الوطني الحر» باتا في حكمِ المتحالفين انتخابياً، وتحالفُهما لا يتعارض مع وجودهما وتنسيقهما داخل السلطة، ويرى «المستقبل» أنّ التحالف مع العونيين مربح على كلّ الصعد، من عكّار إلى بيروت وزحلة والإقليم وجزين، وهذا ينطبق على التيار، ولهذا فـ«القوات اللبنانية» التي تعتبر أنّها قادرة على نيلِ الحاصل أو الحواصل الانتخابية في كثير من الدوائر، لم تعُد موجودة داخل حسابات التحالف «العوني» ـ «لمستقبلي»، ولو في الهامش الضيّق المسمّى التحالف الموضعي، وتبعاً لذلك، وخصوصاً في مرحلة ما بعد الاستقالة والحملات التي تعرّضَت لها، فتحت قنوات الاتصال مع حزب الكتائب، لكي تشكّل وإياه تحالفاً مسيحياً، تذهب التقديرات إلى توقّع نيلِه نصفَ المقاعد المسيحية، وهو رقم يستعيد التوازنَ في مواجهة معادلة «المسيحي الأقوى» التي يريد التيار العوني الاحتفاظَ بها.
ثانياً: قرَّر حزب الكتائب الانفتاح على الحوار مع «القوات اللبنانية»، بعد مرحلة جفاءٍ طويلة وحملات سياسية وإعلامية عدائية ومتبادلة، وافتراق في الخيارات قبل انتخاب الرئيس ميشال عون وبعده، وكان حزب الكتائب أمام احتمال الانضمام إلى التحالف العوني ـ القواتي، لكنّه فضّل السير منفرداً والانفتاحَ على قوى المجتمع المدني، ولم يشارك في الحكومة.
واليوم يعود حزب الكتائب الى الحوار مع «القوات» بعدما باتا تقريباً في مربّع واحد، ويطالب «القوات» بالاستقالة من الحكومة، وتشكيل جبهة معارضة، فيما تتمسّك «القوات» بالمعارضة من داخل الحكومة، وتُبدي الاستعداد للتحالف من دون الدخول في لعبة التحديد المسبَق للأحجام.
ثالثاً: تُطرَح في حوار «الكتائب» و«القوات» أفكار واقتراحات تحالفية تتجاوز فكرة التحالف الموضعي في هذه الدائرة أو تلك، الى البحث في تحالفٍ يَشمل كلّ الدوائر، من عكار الى الدائرة المسيحية في الشمال (زغرتا ـ بشري ـ الكورة ـ البترون) الى جبل لبنان الشمالي والجنوبي الى بيروت وزحلة وجزين.
من هذه الافكار ما طرَحته «القوات» عن استعداد للتخلّي عن مقعدها في البترون للكتائب، ما يَعني تركيبَ لائحة واحدة في هذه الدائرة بالتحالف مع النائب بطرس حرب وميشال معوّض ومستقلين، وعن تحالف ممكن وسهل في دوائر كسروان جبيل والمتن وبعبدا وزحلة وجزين، وعن حتمية التحالف في دائرة بيروت الاولى (المقعد الماروني للنائب نديم الجميّل والاورثوذكسي للمرشح عماد واكيم) وعن إمكانية تطعيم التحالف بمرشحين مستقلّين ومدنيين، وهو ما يؤمّن ولادة لوائح مسيحية وفق معادلة تُشبه لوائح الانتخابات في عامي 2005 و2009.
ويبقى السؤال: هل تنجح «القوات» والكتائب في الوصول الى هذا التحالف لكي تُخاض الانتخابات النيابية بلائحة سياسية تواجه «التيار الوطني الحر» المتحالف مع تيار «المستقبل» و«حزب الله»؟
الأكيد أنّ حاجة الطرفين إلى هذا التحالف متبادلة، فـ«القوات» التي شاركت في السلطة تتعرّض للعزل كأنّها في المعارضة، وهي تعارض شركاءَها المفترضين داخل الحكومة، وتتلقّى منهم الحملات، أمّا حزب الكتائب وعلى رغم النقاط المتقدّمة التي حقّقها النائب سامي الجميّل على اكثر من صعيد، فهو يحتاج الى حليف قوي على الصعيد الوطني والمسيحي، ويكفي التمعّن في برنامج الطرفين وخطابِهما لملاحظة انّ نقاط التقائهما ليست بقليلة، وأنّ خلافات السنوات الماضية لم تكن اكثرَ مِن حساسيات متوارثة، يمكن لاستحقاقٍ بأهمّية انتخابات أيار المفصلية أن يُذيبَها.