لا يزال الواقع اللبناني يعيش تحت تأثير أحداث الجبل التي أرهقت الحياة السياسيّة، وأدّت الى أزمة حكوميّة مفتوحة شلّت الإجتماعات الوزاريّة.
رسمت حادثة قبرشمون التي كان وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب طرفاً فيها، مساراً جديداً في السياسة اللبنانية، فالغريب هو وزير الحزب “الديموقراطي اللبناني” حليف “التيار الوطني الحرّ” و”حزب الله”، وأدى موقف الغريب والحلفاء، المتمسك بالإصرار على إحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، إلى تعطيل جلسات مجلس الوزراء، بعدما استخدم وزير الخارجية جبران باسيل “سيف” الثلث المعطّل لنسف الجلسات.
وبعد الحادثة، أيقن الحزب “التقدّمي الإشتراكي” أنه يواجه العزل والإلغاء، وأن هناك مساراً لتطويقه بدأ في قبرشمون ولن ينتهي في المجلس العدلي، كما يطالب الغريب والحلفاء.
وعادت صورة المحاكمات الصوَريّة والتركيبات التي كانت تحصل زمن الإحتلال السوري، والتي استهدفت الدكتور سمير جعجع و”القوات اللبنانية” الى الأذهان، خصوصاً أن سلوك “حزب الله” والحلفاء ليس أفضل من تصرفات الوصاية السورية نفسها. وأيقنت “القوّات” أيضاً أنها لا تستطيع ترك رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط وحيداً يواجه محاولات العزل والتطويق، لكن وعلى رغم مواقف “القوات” المتقدّمة إلا أن البعض رأى أنها تدعم جنبلاط من الخلف، وليست رأس حربة في المواجهة التي تحصل.
وترى “القوات” أن الحديث عن عدم دخولها المواجهة مباشرةً ليس صحيحاً، وتعتبر أنه “عندما يتحدث جعجع عن أن جنبلاط مُستهدف، ويربط ما حصل معه بحادثة سيدة النجاة، وعندما يشاطره هواجسه يكون موقف القوات اللبنانية واضحاً في هذه النقطة”. وتؤكد أنها لا تستطيع أن تذهب في المواجهة أكثر، وإلا تُتّهم بأمور أخرى مثل الدخول في محاور داخلية، لذلك تكتفي بالمواقف والخطوات التي تتّخذها في مساندة “الإشتراكي”.
وتلفت “القوات” الى أن “استقبال جعجع وزير التربية أكرم شهيب ووفد “الإشتراكي” في معراب، وذهابه الى بيت الطائفة الدرزيّة للتعزية برئيس “مؤسسة العرفان التوحيدية” الشيخ علي زين الدين، هو تثبيت للحلف مع “الإشتراكي” الذي هو من طبيعة استراتيجية مثل حلف “القوات” مع تيار “المستقبل”.
وتعتبر “القوات” أن “التباينات اليوميّة لا تؤثّر في طبيعة العلاقة الإستراتيجية، فحماية السيادة وعدم قدرة محور الممانعة على وضع يده على الحكومة قائمان على ركيزة ثلاثية هي تفاهم “القوات” و”المستقبل” و”الاشتراكي”، وهذا التفاهم حافظ على السيادة ومنع استخدام محور الممانعة، الساحة اللبنانية لأغراض غير لبنانية”.
وفي السياق، فإن العلاقة قائمة بين “القوات” و”الإشتراكي” منذ انتفاضة الإستقلال 2005، ولا ينسى أحد خطابات كل من جنبلاط وجعجع في ساحة الشهداء خلال إحياء قوى “14 آذار” ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، والملفت أنه منذ خروج جعجع من المعتقل وعودة “القوات” الى الحياة السياسيّة، حصلت 3 دورات إنتخابية، وفي الدورات الثلاث، أي 2005 و2009 و2018 نُسج تحالف بين “القوات” و”الإشتراكي” في جبل لبنان الجنوبي.
لكن في المقابل، ترى “القوات” أن “الكلام عن قيام 14 آذار كتنظيم إداري مجدداً لا يفيد، لأن مروحة التقاطعات أوسع، وإذا عدنا الى الصيغة القديمة فإننا نخسر الرئيس نبيه بري الذي دعم جنبلاط في المرحلة الأخيرة، كذلك نخسر رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الذي يواجه باسيل، وإن كان بري وفرنجية ضمن قوى 8 آذار، إلا أنهما منزعجان من باسيل، وهذه القوى الخمس وقفت في وجه عزل جنبلاط، ما أعطانا قوة إضافيّة”.
سلوك “القوات” الأخير تردّد في المختارة، فخرج جنبلاط شاكراً جعجع و”القوات اللبنانية” على “الموقف المتضامن”. وفي السياق، يؤكّد “الإشتراكي” أن التفاهم مع “القوات” يتخطّى المصالح الآنية، والأحلاف الإنتخابية، بل هو أعمق بكثير، وهو جزء لا يتجزّأ من المصالحة المسيحية – الدرزيّة، إذ إننا نُبدي حرصنا اليوم وأكثر من أي وقت على المصالحة التي حصلت في الجبل، وقادها البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
ويشدّد “الإشتراكي” على أنه “منفتح على كل الحلول، لكن الفريق الآخر ينطلق من حادثة قبرشمون لتطويقنا وعزلنا، بينما لم يسلّم من أطلق النار من جهته”.
والملفت في العلاقة بين “القوات” و”الإشتراكي” أنهما يضعان مصلحة الجبل فوق كل اعتبار، خصوصاً أن الوجود المسيحي في الشوف وعاليه يحتاج إلى رسائل إطمئنان وليس إلى صدامات تُعيد إلى الذاكرة مآسي الماضي.