كان الحدث في سفارة الجمهورية الاسلامية الايرانية، الاسبوع الماضي، هو حضور وفد من حزب القوات اللبنانية برئاسة وزير الشؤون الاجتماعية بيار ابي عاصي، للتعزية بوفاة رئيس مصلحة تشخيص النظام والرئيس الاسبق للجمهورية الاسلامية الايرانية الشيخ علي اكبر هاشمي رفنسجاني.
فالسفارة الايرانية التي تقيم سنوياً ذكرى اختطاف دبلوماسييها الاربعة قبل 35 عاماً، مرّ وفد «القوات اللبنانية» من امام صورهم التي تتصدر احدى قاعات السفارة، التي ما زالت تلاحق عملية فقدانهم، عند حاجز البربارة الذي كانت تقيمه القوات اللبنانية في تلك المنطقة الفاصلة بين محافظتي جبل لبنان والشمال، اذ تشير المعلومات التي جرى تداولها في المرحلة التي خطفوا فيها، بان رئيس حزب القوات اللبنانية حالياً سمير جعجع، هو من كان يشرف على الحاجز، بحكم مسؤوليته عن قطاع الشمال في «القوات اللبنانية» التي ما زالت تنفي ان يكون الديبلوماسيون الاربعة قد اوقفوا عند حاجزها في البربارة، وهم كانوا كما غيرهم يغادرون بيروت وضاحيتها الجنوبية، اثر الغزو الصهيوني للبنان في 5 حزيران 1982، وهم فقدوا في هذا الشهر، ولم يصلوا الى سوريا التي كانوا يقصدونها للسفر الى طهران.
بقيت علامات الاستفهام، حول اهداف زيارة وفد «القوات اللبنانية» حيث لم يسبق ان حصل ذلك في مناسبات تقيمها السفارة الايرانية، اذ تزامنت مع موقف كان لافتاً لرئيسها الدكتور جعجع، من انه لا يمانع ان يتلقى الجيش اللبناني اسلحة من ايران، سواء بالشراء او المساعدة، واعتبرها انها دولة مثل كل الدول، حيث لم يكن ذلك مرغوباً قبل سنوات، تقول مصادر سياسية مطلعة، لا بل مرفوضاً، حتى ولو كانت المساعدة غير عسكرية، كبناء سد للمياه، او معمل لانتاج الكهرباء، اذ كان فريق 14 اذار و«القوات اللبنانية» امنه، ينظر الى المساعدات من منظار سياسي، ومحاولة ايران السيطرة على لبنان، وربطه بها، انما هو محيطه عربي وعلاقاته عربية.
والايجابية التي ابداها جعجع تجاه ايران، فان السفارة الايرانية فوجئت تقول المصادر، بموقفه وتابعته، والذي تزامن مع زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى السعودية التي سحبت الهبة بمبلغ 3 مليارات دولار للجيش اللبناني، والتي بحثها الرئيس عون مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي ترك للمسؤولين بين البلدين امر متابعتها.
اما وفد «القوات اللبنانية» الذي نقل تعازي رئيسها الدكتور جعجع، الى السفير الايراني محمد فتحعلي واركان السفارة، فكان مفاجئاً حضوره، ولم يكن احد على علم بها، وفق مصادر مطلعة على اجواء السفارة، وانه لم يسبق ابلاغها بقدومه اليها، بل كان مجيئه الى التعزية، كما كل الذين اموا السفارة، ولم يحصل تنسيق مسبق، كما مع كل الذين حضروا، وقد تعاطى السفير فتحعلي مع الوفد بشكل طبيعي واعتبر الزيارة عادية، وان المبادرة اتت من «القوات اللبنانية»، وابواب السفارة مفتوحة امام الجميع للتعزية بشخصية عالمية وكبيرة كالشيخ رفسنجاني تقول المصادر، التي تشير الى انه لم يحصل اي حديث سياسي، بل مجاملات، وكلام عن شخصية الشيخ رفسنجاني الذي كان منفتحاً ومعتدلاً، وله علاقات مع كل الاطراف داخل الجمهورية الاسلامية الايرانية، وحتى مع المعارضين له، فجمع التناقضات على شخصه.
ولم تربط السفارة الايرانية بين زيارة الوفد، وما يصور من كلام ايجابي، بين «حزب الله» من جهة و«القوات اللبنانية»، اذ ترى المصادر ان «حزب الله» هو صاحب القرار في لبنان، والجمهورية الاسلامية الايرانية، لا تفرض رأيها على قيادة الحزب، التي هي الآن تقدر الموقف وتتصرف، وهذا ما حصل في استحقاق رئاسة الجمهورية، اذ احترمت ايران الخصوصية اللبنانية، وتعاطت مع الانتخابات الرئاسية، بما يراه «حزب الله» مناسباً، وهو ما ابلغته الجمهورية الاسلامية، الى كل من زاروها، او اتصلوا بها بشأن الاستحقاق الرئاسي فكان جوابها، راجعوا «حزب الله» وهو ما ينطبق على قضايا اخرى مثل الحوار بينه وبين اطراف سياسية لبنانية، فلا تدخل فيه، لا بل تشجع عليه، وهو ما حصل بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، والامر نفسه، يعود للحزب فيما يخص «القوات اللبنانية» وغيرها.