«شامل روكز وجورج نادر» وكبار الضباط الذين خاصموا القوات حضروا لتعزية رئيس القوات بوفاة والدته، المشهد كان سوريالياً في بشري فهؤلاء بقوا خارج اطار المصالحة وتفاهم معراب لكن المشهد حصل فعلاً في عزاء والدة جعجع لتقفل الثنائية المسيحية «مشهد الحرب» وطي صفحة الماضي حقيقة، فالواضح ان كل الحواجز او ما تبقى منها سقطت بين العونيين والقوات وبالعكس منذ الانتخابات الرئاسية الى تشكيل الحكومة وحتماً الى الانتخابات النيابية التي يتوقع ان يحقق فيها العونيون والقوات تسونامي انتخابي مسيحي لا مثيل له بحسب مصادر مسيحية التي تؤكد ان هذا التسونامي يبدو انه يخيف كل الاخصام للفريقين، فثمة محاولات واعتراضات تطال تفاهم الفريق المسيحي في مسألة القانون الانتخابي والتحالفات وثمة من يحاول ان يلعب على وتيرة التصريح الأخير لرئيس الجمهورية لاستغلاله ودق إسفين في العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة وبين عون ومعراب من جهة ثانية، فالموقف الذي اطلقه رئيس الجمهورية حول سلاح حزب الله عشية ذكرى 14 شباط استنفر جوقة آذاريين معترضين ومتضررين من التغيير في التوازنات السياسية الجديدة حاولوا اللعب على وتر ما يحصل بين عون وجعجع ولارباك سمير جعجع من جهة وسعد الحريري عبر محاولة بث السموم بان رئيس الجمهورية يقوم باضفاء الشرعية على «السلاح غير الشرعي» وبان من الخطأ الاعتراف بقدرات المقاومة مقابل ضعف الجيش والمؤسسة العسكرية.
واذا كان التفسير العملاني لموقف رئيس الجمهورية بأن كلامه لا يحمل جديداً او موقفاً مغايراً لما تراه الرئاسة في موضوع سلاح حزب الله، وانه لا يمكن لميشال عون اذا تربع على كرسي الرئاسة ان يغير في استراتيجيته تجاه المقاومة او ان يلغي تفاهمه مع معراب، فان كلام رئيس الجمهورية لم يستفز كما تقول اوساط القوات احداً في فريقها السياسي، فاتفاق معراب قام بفصل الامور وتنظيم ما هو متفق عليه وما هو مختلف عليه وضع جانباً انطلاقاً من حرص الطرفين على ان لا يؤدي الاختلاف السياسي الى الخلاف بينهما، وموقف رئيس الجمهورية من سلاح حزب الله ليس جديداً او غير واضح في هذه المسألة، فرئيس الجمهورية متمسك بخياراته الاستراتيجية والوطنية ولم يخطئ اساساً مع القوات في المحطات السابقة في تشكيل الحكومة او في المفاوضات الجابرية في شأن القانون الانتخابي. وبالنسبة الى القوات فان تفاهم مار مخايل كان سابقاً وأتى بعده تفاهم معراب، وبالتالي يفترض احترام الخصوصية السياسية لفريق سياسي، فرئيس الجمهورية «حر» في موقفه السياسي وخياراته لا يحاسب عليها ولن يكون هناك مواقف سلبية من القوات، ومواقف القوات من سلاح حزب الله لا تراجع عنها او تغيير في الموقف، فالدولة والجيش وحدهما قادران على حماية لبنان.
في كل الاحوال بالنسبة الى القوات والعونيين فان ما تقرره الرئاسة ملك لها وخياراتها الاستراتيجية موثوق بها، الا ان ما بين معراب ورئيس الجمهورية من تفاهمات شأن آخر، فكلام رئيس الجمهورية لا يستهدف معراب ولا يصيب الحريري خصوصاً وان العلاقة بين رئاستي الجمهورية والحكومة تشهد تناغماً سياسياً غير مسبوق في العلاقة بين الرئاستين، ومن جهة اخرى فان تفاهم معراب امر آخر، هو فعل فعله في تهدئة الوضع المسيحي وتمتينه، وهو لا يزال يشكل متنفساً مريحاً للجو المسيحي العام الذي انهكته الانقسامات والخلافات المسيحية على مدى ثلاثين عاماً بين القوات والتيار انعكست سلباً على الوضع المسيحي وتراجعاً في الدولة، فأقل ما في التفاهم وانجازاته كما تقول المصادر المسيحية ان نوعاً من الستاتيكو الجديد بات يحكم العلاقة بين معراب والرابية ويقوم على إلغاء التشنج السياسي وضبط النفس والحفاظ على الحد الادنى من البروتوكولات السياسية في التعاطي مع الاحداث وقد بدا ذلك واضحاً في طريقة مقاربة القوات للملفات الخلافية المستجدة.
بالنسبة الى القوات اليوم معركة وصول عون الى بعبدا كانت معركة سمير جعجع، القوات اليوم تضع في اولوياتها المجتمع المسيحي ومحاكاة مزاجاته وهواجسه وهي تسعى الى محو آثار الماضي في المجتمع المسيحي وباتت تمارس ضبط النفس وتحسب الف حساب قبل اطلاق المواقف النارية التي تزعج الرأي العام المسيحي والتي تتصل مباشرة بالملف المسيحي او تلك التي تؤثر في العلاقة بين رئيس الجمهورية ومعراب، ومن جهة التيار الوطني الحر فان العلاقة مع معراب باتت خط احمر ممنوع تجاوزه فالعلاقة مع معراب تحظى بعناية واهتمام العونيين والانطلاق سيكون معاً الى التسونامي الانتحابي، واعلان النوايا تجاوز مطبات كثيرة وسيكون هناك محطات لا يلتقي فيها الطرفان كلياً انطلاقاً من حيثيات وخصوصيات كل فريق سياسي لكن الخلاف ممنوع والاختلاف واقع وتفاهم معراب كان وسيبقى حاجة ملحة في ظل الأزمة المسيحية الراهنة في الحكم وما يواجهه المسيحيون في المنطقة.