أكد مصدر قيادي رفيع في القوات اللبنانية أن القوات بما تمثّل من خط تاريخي، كانت الجهة اللبنانية الأولى التي تصدّت للتكفيريين، الذين شكّلوا مجموعات صغيرة تعمل كرأس حربة إلى جانب التنظيمات الفلسطينية خلال الحرب، تحت مسمّيات عدة على غرار «جند الله» الذين كانوا يحملون السيوف مع الأسلحة النارية، فضلاً عن المرتزقة من جنسيات مختلفة، والذين تم استقدامهم من الصومال والسودان وليبيا والعراق وباكستان وسواها بحجة قتال المسيحيين الكفّار في لبنان. وشدّد على أن القوات اللبنانية بتمسّكها الراسخ بالقيم المسيحية واللبنانية والإنسانية، وبالتنوّع والديموقراطية، وبالعدالة وحقوق الإنسان، ترفض كلياً أي نهج تكفيري أو أي تطرّف ديني عنفي لا يسلّم بالآخر وبالرأي الآخر، وبحق الإختلاف، كما ترفض أي هيمنة بالقوة وباسم الدين على الحياة الوطنية والسياسية، لأن حالات تراجع الإعتدال وانكفاء الطابع المدني للدولة والمجتمع، معطوفة على حالات القمع والتسلّط والمعاناة الإجتماعية، تشكّل مجتمعة أفضل بيئة حاضنة للإرهاب والتكفير وإلغاء الآخر المختلف، بقصد الثأر والإنتقام.
واعتبر أن التكفير ليس حالة معزولة أو وليد الصدفة. بل إنه واقع ينجم في الغالب عن عاملين أساسيين: الأول كردّة فعل على نظام ديكتاتوري يتمادى في التنكيل والإلغاء والعنف والقهر، ما يجعل الشعور المتفاقم بالظلم يتحوّل إلى أي خيار مهما كان قاسياً لمواجهة هذا الواقع.
والثاني: أن يفتعل نظام معيّن، أو قوة معينة تتمثّل بحزب أو فئة طاغية حالة تكفيرية لتبتز الناس وتخيّرهم بين أهون الشرّين، فيسلّموا بهيمنة النظام أو الفئة المعنيّة بحجة حمايتهم من التكفيريين.
والحالتان، تابع المصدر نفسه، تنطبقان إلى حد كبير على ما يحصل في سوريا وفي العراق. مشيراً إلى أن التكفير لا يمكن حصره في طائفة أو في شريحة من طائفة معينة. فالتخوين هو صنو التكفير، وتقديس السلاح مع انتفاء مبرراته، ولا سيما بوجود الدولة ومؤسساتها، هو نوع من التكفير، والمفاضلة بين أشرف الناس والآخرين هو نوع من التكفير، واستعمال الله وجعله في خدمة رهانات السيطرة والهيمنة هو نوع من التكفير، ومحاولة إلغاء الآخر بالعنف والقوة هو نوع من التكفير الذي يولد حالات تكفيرية مقابلة.
لذا، أردف المصدر القواتي، فإن القوات اللبنانية تدين التكفير تحت أي مسمّى وأياً كانت هويته، ولن تتردد لحظة في التصدي له، إذا فشلت الدولة وعجز الجيش عن ذلك لا سمح الله. كما تدعو إلى معالجة أسبابه الحقيقية، وترفض التهويل به على المسيحيين وعلى سائر اللبنانيين لتبرير منطق الحماية. واعتبر أن الروح الذمّية التي يعبّر عنها بعض المسيحيين، وكأن المسيحيين في لبنان مجرّد جالية تحتاج للحماية من الخطر التكفيري أمر مرفوض، بقدر ما هو مرفوض التهويل بالتكفيريين لابتزاز المسيحيين وكل من يرفض التكفيريين. لافتاً إلى أن الدكتور سمير جعجع كان واضحاً في مقاربة التكفير المتمثّل خصوصاً بظاهرة «داعش»، على حد قول المصادر فرفض التهويل المفتعل بخطره، وكأن لا دولة في لبنان ولا جيش ولا لبنانيين واجهوا في الحرب ما هو أعتى من «داعش»، وقد أكد جعجع أيضاً أن «داعش» ظاهرة عابرة في التاريخ، وشدّد مراراً على أن «داعش» لا تمثّل المسلمين والدين الإسلامي، بل تمثّل تهديداً للأكثرية المعتدلة لدى السنّة كما لسائر الطوائف.
وإذ رأى المصدر نفسه، أن القضاء على التكفير، وبالأخص حماية المسيحيين منه، تكون بتغليب الإعتدال ودعمه العملي، بدلاً من استفزازه واستبعاده، وبرفع الغطاء عن الأنظمة الديكتاتورية والسياسات التمييزية التي كانت في أصل البلاء بتعنّتها أو بافتعالها الحالات التكفيرية ورعايتها. واعتبر أنه ليس صحيحاً أن النظام السوري و«حزب الله» بمشاركته في الحرب السورية يحميان المسيحيين، بل إنهما يستجلبان خطر التكفير، خصوصاً وأنهما يعطيان للمواجهة طابعاً طائفياً بل مذهبياً يساهم في تعميق الأحقاد. وشدّد على أنه لا يمكن الكلام على حلول تطمئن المسيحيين في لبنان وفي دول الجوار، إلا من خلال تشجيع القوى المعتدلة لدى مختلف الطوائف وتعزيز الدولة ومؤسساتها، وفي مقدمها القوى العسكرية الشرعية، بحيث تعمل السلطة التي تتولى زمام الأمور، وفق المعايير الديموقراطية ومبادىء الحفاظ على التنوّع والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان.