من ملبورن في أستراليا، أعاد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ضبط موقف حزبه من الكلام الدائر في بيروت أخيراً، حول إمكان تقديم وزراء «القوات» الثلاثة استقالاتهم من الحكومة. جعجع لم ينفِ ما طُرح عن إمكان استقالة وزارء الحزب، فهو أكدّ أنّها «واردة»، رابطاً إياها بمسألتين: «عودة العلاقات مع نظام الأسد واستمرار محاولات تمرير المناقصات المشبوهة». وهو بذلك حدّد موقف القوات من مسألة الإستقالة هذه، بعدما تعدّدت مواقف وزرائها وأوساطها منها خلال اليومين الماضيين.
لكنّ المسألتين اللتين أثارهما جعجع ليستا جديدتين، ولم تطرأ عليهما تطورات نوعية، فلماذا اختارت «القوات» هذا التوقيت للتلويح باستقالة وزرائها؟
أوساط قيادية في «القوات» تنفي لـ «المستقبل» أن يكون «توقيت طرح الإستقالة من الحكومة مرتبط بلحظة سياسية معينة». وتقول: «عندما دخلت القوات إلى الحكومة كان ذلك إنطلاقاً من دورها الأساسي في إيصال العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، وإدخال البلاد في مرحلة جديدة تضع حداً للفوضى الدستورية التي كانت قائمة. وهي دخلت الحكومة بناء لقاعدتين: الأولى أنّ إنجاح التسوية يستدعي استبعاد الملفات الخلافية بين أفرقاء الحكومة بانتظار نضوج ظروف معالجتها. أمّا القاعدة الأخرى فهي تقديم نمط مختلف من الممارسة السياسية للشعب اللبناني، وإحداث تغيير فعلي على مستوى العمل الحكومي من خلال استظلال الدستور والقوانين الناظمة لهذا العمل».
ولذلك، تنفي «القوات» أن تكون قد فتحت بتلويحها باستقالة وزرائها ملفّات قديمة، فـ «هذان الملفّان جديدان قديمان ورافقا التسوية الحالية. وبالتالي أي محاولة لإعادة إحياء أي ملف خلافي تُعتبر استهدافاً لهذه التسوية وتُعيد لبنان إلى الانقسام العمودي السابق».
بكلام آخر تربط «القوات» بين استقالتها من الحكومة و»نجاح حزب الله في كسر التوازن داخلها باستخدام لبنان الرسمي غطاءً لعلاقات مشبوهة مع النظام السوري». وبالتالي، ما دام هذا التوازن مصاناً في الحكومة فهي باقية فيها، كما تقول أوساطها.
إلى ذلك، تعتبر «القوات» أن «التبريد السياسي الحاصل في لبنان يشكّل فرصة لإحداث تغيير في ذهنية الحكم وممارساته ما يمكّن من استعادة المواطن اللبناني ثقته بالدولة، فلا يعود يشعر أن نيله حقوقه رهن بقربه من هذا الفريق أو ذاك، وإنما حقوقه مصانة بقوة القانون والدستور».
وفي هذا السياق تتحدّث «القوات» عن «تجاوزات حصلت وتحصل»، وهي حذّرت وتحذّر، بحسب هذه الأوساط، من أنّ استمرار هذه التجاوزات لا يخدم التسوية القائمة، وسيؤدي إلى تيئيس الناس أكثر، «خصوصاً أنّهم رأوا فرصة للإصلاح أخيراً».
انطلاقاً من هذا الواقع، «أطلقت القوات جرس إنذار لمنع إحياء ملفات خلافية على طاولة الحكومة، ولإعادة تصويب الممارسة السياسية نحو الأسس الإصلاحية المطلوبة».
علاوة على ذلك، لا ترى «القوات» حاجة إلى تنسيق موقفها بشأن الاستقالة من الحكومة مع حلفائها فيها سواء تيار «المستقبل» أو التيار «الوطني الحر»، فهي «تبني موقفها وفقاً لرؤيتها في ممارسة الشأن العام، وليس انطلاقاً من أهمية تحالفها مع هذا الطرف أو ذاك».
لذلك، يجب ألا تنعكس مواقف «القوات» من استقالة وزرائها على تحالفاتها السياسية، بحسب هذه الأوساط، «لأن القوى السياسة عليها أن تقدّر وتثّمن كيفية ممارسة القوات للشأن العام، وإلا تكون لديها مشكلة».
وإذ تصف أوساط «القوات» العلاقة مع التيار «الوطني الحر» في هذه المرحلة بـ «المأزومة»، إلا أنّها ترفض ربط التلويح بالإستقالة بتطورات هذه العلاقة، مع تأكيدها أنّ «هذا التحالف لن يعود إلى ما قبل المصالحة وتفاهم معراب».
وتدعو إلى «إسقاط تجربة الحكومة على التحالف بين «التيار» و»القوات»، لناحية تحييد الخلافات والبناء على المشتركات»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنّ «القوّات لا تولي أولوية لأي تحالف على مبدئيتها السياسية وعلى مقاربتها لممارسة الشأن العام».
وتختم بالتذكير بأنّ جعجع يشدّد أخيراً على أمرين، الأوّل يتّصل بأداء الحكومة الإصلاحي، والثاني بموضوع التطبيع مع النظام السوري، لذلك أضاء تلويح القوات باستقالتها من الحكومة على «ضرورة التزام الممارسة الحكومية حكم الدستور والقوانين، والابتعاد عن الملفات السياسية الخلافية، وذلك بغية تحصين التسوية وتقديم إنتاجية للرأي العام، مع تثمين القوات للانجازات التي تحققت منذ انتخاب العماد عون وتشكيل الحكومة، خصوصاً لجهة إقرار قانون الانتخابات والموازنة وغيرها من الإنجازات.. ولكن يجب ألّا تقف انتاجية الحكومة عند هذا الحد».