Site icon IMLebanon

اختلفوا فدمّروا البلد.. اتفقوا فحرقوا البلد  

 

 

قد يندهش الذي يقرأ هذا العنوان خاصة وأنّ الشخصين المقصودين هما فخامة رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون أما الرجل الثاني المقصود، فهو د. سمير جعجع قائد «القوات اللبنانية».

 

ففي العودة الى التاريخ.. أي الى عام 1988 يوم انتهى عهد الرئيس أمين الجميّل الذي لم يستطع الحصول على تمديد لولايته، فما كان منه، ونكاية بالسوريين إلاّ أن جاء برجل يَدّعي أنه يكره السوريين ويصرّح ليلاً ونهاراً من خلال شعارات رنّانة كرهه للسوريين ليتبيّـن أنّ كل تلك الشعارات لم تكن إلاّ كلاماً بكلام خادعة للجمهور فتداعب عواطفه.. لكن الحقيقة هي عكس ذلك وعلى سبيل المثال:

 

أولاً: يدّعي الجنرال أنه ضد السوريين وأنه يريد أن يكسر رأس الرئيس حافظ الأسد. لكنه في الحقيقة ما إن وصل الى مبتغاه حتى انقلب 180 درجة وأصبح من أعز أصدقاء السوريين، واختار وزيراً يذهب كل أسبوع الى دمشق ليتلقى الأوامر ويقف عند «خاطر» السوريين.

 

ثانياً: كان عون يجاهر بأنّ السلاح يجب أن يكون مع الدولة، ولن يقبل بأي سلاح خارج الدولة، لكن ما حصل انه وفور عودته الى بيروت أبرم ما يسمّى بـ»اتفاق ميخائيل» أي الاتفاق الذي وُقّع بينه وبين السيّد حسن نصرالله.

 

سبحان الله كيف أنّ هذا الجنرال يقول شيئاً ويفعل ما يناقضه.

 

على كل حال، لو استعرضنا الحقبة بين عامي 1988 و1990، أي منذ تسلمه رئاسة الحكومة العسكرية التي كان المطلوب منها أن تحضّر لانتخابات رئاسية، لكن رئيسها الجنرال المغرم بالسلطة عندما جلس على «الكرسي» نسي أو تناسى كل شيء. فماذا حصل في هذه الفترة؟

 

حصلت حربان بين الجيش وبين «القوات اللبنانية»: أي بين الجنرال والدكتور سمير جعجع: حرب التحرير وحرب الإلغاء أسفرت عن أكبر تدمير في المناطق الشرقية منذ بداية الحرب الأهلية، إضافة الى هجرة 300 ألف مواطن مسيحي هرباً من هاتين الحربين.

 

لم يكتفِ الجنرال بذلك بل أصرّ على البقاء في قصر بعبدا، لكن الرئيس الياس الهراوي رحمه الله، اتخذ قراراً تاريخياً بإزالة حالة التمرّد في بعبدا فقام الجيش اللبناني بهجوم ضد الجنرال عون الذي كان جالساً في بعبدا يومذاك ويوم أعلن الجنرال عون انه سيكون آخر رجل يغادر بعبدا لكنه كان أوّل رجل يهرب من أرض المعركة تاركاً زوجته وبناته الثلاث تحت رحمة اللواء علي ديب قائد القوات الخاصة وسرايا الدفاع السورية الذي دخل الى قصر بعبدا وطلب من الوزير السابق ايلي حبيقة أن يتسلم زوجة الجنرال وبناته الثلاث وذلك رداً لجميل الجنرال يوم حوصر الوزير في المجلس الحربي مطوّقاً من قوات د. سمير جعجع، فأنقذه الجنرال من الحصار.

 

هذه مرحلة من مراحل الإختلاف.

 

بقي الجنرال في المنفى الباريسي، أي في الشانزليزيه لمدة 15 سنة وبين مزرعة لرجل لبناني هو تاجر سلاح واسمه جوزيف ابو ديوان… في حين دخل الدكتور جعجع السجن بتهمة تفجير كنيسة سيدة النجاة.

 

فبين الجنرال المنفي والدكتور المسجون، استطاع الرئيس الياس الهراوي وبمساعدة الشهيد الكبير الرئيس رفيق الحريري القيام بإعادة إعمار لبنان وفعلاً يجب أن نتذكر الإنجازات التي قاما بها:

 

أولاً: إعادة إعمار القصر الجمهوري الذي دمّر بشكل كبير بسبب حروب الجنرال عون.

 

ثانياً: استقرار الدولار على الـ1500 ليرة والذي كان يتراوح ولفترة طويلة بين 1500 و3000 ليرة، وأصبح الشغل الشاغل للبنانيين متابعة ارتفاع وهبوط العملة، وهذا الاستقرار أدّى الى استقرار في الاقتصاد اللبناني.

 

ثالثاً: إعادة بناء المدينة الرياضية «مدينة كميل شمعون».

 

رابعاً: إعادة بناء المطار ورفع إمكانية استيعابه من مليون مسافر الى خمسة ملايين، كما ارتفعت الاصوات القائلة «البشر قبل الحجر» اما اليوم فقد أصبح المطار بحاجة الى توسعة جديدة.

 

خامساً: إعادة بناء معامل الإنتاج الكهربائي في الزهراني ومحطة دير عمار في الشمال وبناء معمل في صور ومعمل في بعلبك، وبفضله أصبحت الكهرباء لأوّل مرة 24/24.

 

سادساً: الجسور والطرقات التي شيّدت وهنا نذكّر بجسر المديرج الذي قصفت ودمرت قسماً منه إسرائيل في حرب تموز 2006.

 

أكتفي بالقول إنّ أفضل فترة إنمائية اقتصادية إعمارية حصلت في تاريخ لبنان بعد الحرب الأهلية التي توّجت باتفاق الطائف كانت بين 1990 و2005، يوم اغتيل شهيد لبنان الكبير الرئيس رفيق الحريري وقتل معه طموح كل لبناني.

 

اغتيل رفيق الحريري وعاد الجنرال عون من منفاه الباريسي وصدر قرار عفو عن د. جعجع تبناه الرئيس سعد الحريري فخرج «الحكيم» من السجن.

 

أما ما حصل منذ عام 2005 الى يومنا هذا فهو محدّد باتفاق كنيسة مار ميخائيل واتفاق معراب… الأول بين الجنرال عون و»حزب الله»، والثاني اتفاق معراب بين عون وجعجع.

 

كنا نظن أنّ الاتفاق بين الجنرال والدكتور سيفتح مجالاً لإعادة إعمار لبنان بعد حرب 2006، وأنّ الأمور ستكون على أفضل ما يكون، وأنّ الجنرال حقق حلمه حيث بقي سنوات منذ عام 1990 وإلى الوصول الى انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان يحلم بالحكم، وبقيت الرئاسة الأولى من دون رئيس حتى أبرم الجنرال والدكتور جعجع اتفاق معراب الذي بفضله وصل الجنرال الى الحكم مع الاتفاق على مناصفة في عدد الوزراء وعدد النواب.

 

ولكن يبدو ان الجنرال نسي الاتفاق ولم يتذكر منه إلاّ البند الأول وهو الحصول على الرئاسة، ولكن للأسف بدأت الخلافات منذ تشكيل الحكومة وحتى الانتخابات النيابية… وبدل أن ينصرف الطرفان الى البناء انصرفا الى الخلافات في الانتخابات… وكل فريق كان يغني على ليلاه، وأصبحت العلاقات أسوأ مما تكون.

 

اما بالنسبة للحكومة… فالعائق الاول كان الخلاف الدائم بين عون وجعجع على كل شيء وتعطيل الانتاج… المطلوب أن تبقى الأمور معطلة، لا اتفاق على الكهرباء، لا اتفاق على الدولة، لا اتفاق على البناء، لا اتفاق على الاقتصاد.

 

العمل الوحيد أن يعطل «القوات» عمل الحكومة نكاية بالجنرال.

 

أما عمل الجنرال فكان فعل كل شيء ضد «القوات».

 

من هنا جاء العنوان: إذا اختلفا دمرا البلد وإذا اتفقا حرقا البلد.