Site icon IMLebanon

القوات اللبنانية .. أين كانت .. وأين أصبحت وكيف ستكون..؟

لن أخفي إعجابي بالتطور الكبير الذي طاول مسيرة القوات اللبنانية من خلال حركتها التصويبية المدروسة لسياستها التي كانت لها منذ نشأتها في أوائل الأحداث اللبنانية بحيث انتقلت من مرحلة الإقتتال الطائفي الشرس والبطّاش، إلى مرحلة وطنية متقدمة، فمدت أياديها بصدق وإخلاص، إلى إخوتها في الوطن، وكانت الجناح المسيحي الطائل والقادر الذي تآلف لاحقاً، مع جناح مسلم ممثل للغالبية الكاسحة للمسلمين السنة. إنطلق هذا التوجه بعد عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما تلاها من نشأة تيار الرابع عشر من آذار، وقد ساعد على ذلك، تحول منهجي لدى القيادة السنية وتيارها الغالب إلى تبني شعار لبنان أولا، وممارسته بكل اقتناع ودقة وانضباط. وقد شهد تكتل الرابع عشر من آذار مرحلة ذهبية تلت نشأته، قوامها تآلف وتكاتف وتعاون أدى إلى ربحها للإنتخابات النيابية التي حصلت في تلك الحقبة في وقت بذلت فيه القوى التي لبثت على تبعيتها للنظام السوري جهوداً وضغوطاً إستثنائية لتربح هي تلك الإنتخابات، إلاّ أن الرابع عشر من آذار أثبتت أرجحيتها وأولويتها، ولم تفلح قوى الثامن من آذار التي انقلبت على حكومة الرئيس سعد الحريري، في الإمساك بمقاليد حكم ناجح من خلال حكومة الرئيس ميقاتي التي قاطعتها قوى الرابع عشر من آذار، حيث لاحقها التعثر الشديد في معظم ميادين الحكم والإدارة، فوجدت نفسها مكرهة على الانسحاب من الحكم تجنباً لتحمل أوزار الفشل.

وبعد استلام قوى الرابع عشر من آذار، زمام الحكومة من خلال حكومة الرئيس سلام، بدأت قوى الثامن من آذار مرحلة جديدة تمثلت خاصة في تعطيل لجميع مفاتيح الحكم والقيادة من خلال تعطيل جميع المؤسسات الدستورية، وألحقتها بتعطيل ما تيسر من مؤسسات فرعية، وصولا إلى تعطيل الحلول التي جهدت الحكومة لوضعها لأزمة «الزبالة»، مشيرين إلى أن القوات اللبنانية كانت في معظم الحالات على منأى من مشاركة التيار الوطني الحر في مسالك وخبايا هذا التعطيل، وتفهم اللبنانيون سعيها مع التيار إلى توقيع ورقة التفاهم للملمة آثار العداوات التاريخية التي خلفتها الحروب السابقة ما بينهما ونزع فتائل الإنفجارات المحتملة ضمن الصف المسيحي، في الوقت الذي احتفظ فيه كل لنفسه بأقصى ما يمكن من الإستقلالية في ما تعلق بالقضايا الكبرى ومصالحها المنوعة التي تشبث كل فريق بوجهة نظره وبموقفه وبعلاقاته الخاصة في ما تعلق بها.

خلال هذه الأحداث، تلمّس اللبنانيون نوعاً من البرود الذي بات يسود ما بين طرفي 14 آذار الرئيسيين، وكنا نسمع عن اتصالات عديدة قامت ما بين المسؤولين في كل منهما لرأب أي صدع طارئ، ولكن الحقيقة أن البرود في العلاقة قد استمر وأدى إلى تراخي الخيوط الجامعة ما بين الفريقين إلى حدود بدأت تتجلى في مواقف وطنية مبدئية لم تكن لتنسجم إلى حد بعيد مع طبيعة السياسة الوطنية التي انتهجها الدكتور جعجع بعد خروجه من ظلامات السجن الذي طاول حريته لمدة أحد عشر عاماً، كما طاول العديد من افكاره وتوجهاته فطعّمهما بالكثير من التوجهات الوطنية التوحيدية والميثاقية التي أدت في ضمن ما أدت إليه إلى وحدة غير مسبوقة في الصف الوطني جمعت إليها تيارين أساسيين، مسلم ومسيحي.

أول بوادر الإنتكاس الايديولوجي – الوطني، تمثلت في مشروع قانون الإنتخاب الذي عرف بالأورثوذكسي، وكان واضحاً آنذاك أن الحكيم قد خرج من خلال تبنيه له، عن وحدة في الرأي والموقف الوطني اللبناني المشترك عرفت عنه وعن نهجه المستجد، وكان القواتيون يفسرون ذلك الإنجراف نحو هذا الحل الطائفي المستغرب في أصوله وفروعه، وخاصة في أثره على الوضعية الميثاقية في لبنان، بأنه يهدف إلى «القوطبة» على شعبوية الجنرال واستعادة ما أمكنه من الجماهير التي أيدت المواقف والتوجهات العونية، وقد تفهم اللبنانيون ذلك دون أن يفهموه بالكامل، وتفهموا بشكل خاص عودة «الحكيم عنه، وكان طبيعياً ومنطقياً، إنهيار هذا المشروع الإنتخابي بصورة مدوية.

ولم يهضم «الحكيم» كثيرا فكرة الحوار ما بين تيار المستقبل وحزب الله، التي كانت في الواقع إبتداعاً إستثنائياً من الرئيس برّي للملمة الخلافات المذهبية التي أخذت في التأزم، خاصة بعد دخول حزب الله لمعمعة الحرب في سوريا كجزء لا يتجزأ من نشاطات الحرس الثوري الإيراني على ساحاتها الحافلة بالشحن المذهبي والغايات الفارسية التوسعية، ولعل هذه الحوارات المتتالية على هذا الصعيد قد نجحت في منع الإحترابات المذهبية التي برزت إحتمالاتها على مجمل الساحات الإسلامية، إلا أنها لم تؤدِّ إلى خطوة إيجابية واحدة باتجاه تفاهم داخلي بما يعيد نوعاً من الوحدة في المواقف ضمن الصفين الإسلاميين اللذين باتا قولاً وفعلاً، صفين اثنين بعمق عمودي أزّمته الأحداث المتتالية إلى درجة الخطورة.

القوات رحّبت بهذا الحوار واعتبرت أن فيه بعض النقاط الايجابية المؤدية إلى تصفية الساحة المسيحية من كثير من أدران الماضي، ولكن الأمر في حقيقته كان متجاوزاً لهذا التوجه. وكان الرد العملي حوارات متعددة عونية – قواتية أدت إلى ورقة التفاهم، مع تشديد على أن كلاً من الفريقين المسيحيين قد حافظ على مواقعه الوطنية الأساسية المتناقضة دون تبدل ولا تغيير.

من خلال ذلك كله، نتوقف عند الملاحظات التالية:

– تيار المستقبل لم يصل في حواره إلاّ إلى نتائج غير أساسية، اقتصرت على تبريد وتلطيف الأجواء المكفهرة وقد لبث كل من الحزب وتيار المستقبل في تناقض حاد تجاه القضايا الرئيسية، وما زالا يدخلان في سجالات إعلامية وسياسية حادة تفوح منها روائح الخلافات الجذرية والمتشنجة.

– القوات نأت بنفسها عن كل تلاسن إعلامي من أي نوع كان ونأت بنفسها عن إثارة أي خلاف من أي نوع كان مع التيار الوطني الحر حتى ولو طاول مبادئها الأساسية، كالعلاقة العونية مع إيران وكموقف عون من الحرب في سوريا، وكقضية سلاح حزب الله، ولبثت بالتالي في صمت كبير تجاه المواقف العونية المختلفة، كبيرها والصغير.

– أخيراً… إرتبطت بعض مواقف القوات بالموقف العوني إلى حدود مستجدة ومتشددة كالمواقف بصدد التشريعات المالية الملحة التي دعا الرئيس بري إلى إقرارها إستناداً إلى مصلحة لبنانية عليا مهددة بأفدح الأخطار، فوجدناها تتمنطق بطابع الإصرار على النظر أولاً بقانون انتخابي جديد يكاد التوافق على أي من مشاريعه السبعة عشر المركونة في أدراج اللجنة النيابية المختصة أمر مستحيل، خاصة وأنها مشاريع متناقضة في الغالب، فضلاً عن أن أيّاً منها لا يحوز على حد معقول من الإجماع النيابي الذي يجسده قانون معتمد وساري المفعول. الأمر الذي إعتبره البعض محاولة تعطيلية جديدة وأجدّ ما فيها، إنضمام القوات إلى بعض من خطواتها المستغربة حيث اعتبرت مع الأسف ذات طابع طائفي تعارضه العديد من الجهات الوطنية والروحية وفي طليعتها، غبطة البطريرك الماروني وما يمثله من وزن طائفي وميثاقي على ما تبدي من مواقفه الأخيرة الصارمة والمحقة، إضافة إلى موقف الوزير سليمان فرنجية وبقية نواب المجلس المسيحيين.

كما اعتبرها كثيرون جزءا من أجزاء الصراع المحلي المنظم على الزعامة المسيحية وعلى «قوطبة» جديدة على الجنرال عون تستهدف أصوات المسيحيين في أية انتخابات مقبلة.

هذه هي «القوات» اللبنانية التي كانت بالأمس، والتي أصبحت اليوم، ونتساءل مع المتسائلين أين ستكون غداً؟.

تساؤلات في محلّها، تنطلق من الأجواء الوطنية العامة بحرص شديد على القوات وعلى بقائها الثابت على سكّة الوحدة الوطنية والتوافق الإسلامي المسيحي على مستوياته القيادية الرفيعة.

فهل تفعل؟