لا ينبغي ان يتحول بيان الخارجية اللبنانية بشأن الهجوم الروسي في اوكرانيا الى عظمة ينشغل بها الرأي العام اللبناني. فما قيل قد قيل وهو يصلح لكل وقت وزمان خاصةً من جانب بلدٍ صغير كلبنان، تعرض مراراً للغزو بحجج تتشابه حتى في المصطلحات والتعابير التي يستخدمها الروس لتبرير عمليتهم ضد جارتهم، واستعملها الأميركيون في غزوهم للعراق، والايرانيون في غزوتهم السورية ودفاعهم الانساني عن اطفال اليمن.
عندما كان الاسرائيليون يغزون لبنان كانت حجتهم إبعاد الإرهاب الفلسطيني عن حدودهم، وعندما توغل السوريون فيه كان تفسيرهم المعلن الدفاع عن الثورة الفلسطينية ووحدة وعروبة لبنان، اما ايران فدخلته لمواجهة العدوان الاسرائيلي، وهرعت الى سوريا لحماية المقامات، التي تشبه في التفسير الروسي مقامات دونيتسك ولوغانساك، وهي من يتولى اليوم تحرير اوكرانيا من ارهاب نظامها النازي، بدعمٍ من القوات الروسية!
الروايات عن تدخل الدول بشؤون دول اخرى، أضعف منها، تتشابه، وليس أمام العالم سوى أن يتمسك بمبدأ عدم التدخل لوضع حدٍ للرغبات والأطماع. ومن هنا سنفهم موقف الخارجية اللبنانية، لا في منطق سوق البيع والشراء الداخلي، ولا بمنطق العداء المجاني لروسيا. فروسيا لم تكن يوماً على خصام مع لبنان الا يوم كان جزءاً من السلطنة العثمانية فقصف الروس عاصمته الحالية نتيجة حربهم مع بني عثمان في القرم. أما عدا ذلك فروسيا دولة صديقة وكانت أول من يعترف باستقلال لبنان واستخدمت الڤيتو لأول مرة في تاريخ مجلس الأمن لضمان جلاء الجيوش الاجنبية عن أرضه في نهاية الحرب العالمية الثانية!
لكن ذلك لا يعني ان تغزو بلداً آخر هي أو غيره، وأن ترمى القوانين والمواثيق الدولية جانباً لفرض وقائع جديدة.
وعندما غزا صدام حسين الكويت التي تحتفل هذه الأيام بعيدها الوطني، كان سليم الحص يرأس وفد لبنان الى اجتماعات القمة العربية في القاهرة، وقبل ان يتفق المجتمعون على موقف كان الحص يصدر بياناً باسم لبنان يدين الغزو العراقي. وصار ذلك الموقف نموذجاً… وعنواناً للإحترام الكويتي والعربي العميق لشعب لبنان.
يومها أيضاً صدرت أصوات معترضة في لبنان، لكنها صمتت عندما صار حافظ الأسد جزءاً من التحالف الدولي لتحرير الكويت بقيادة اميركا.
صدر الموقف المبدئي الصحيح من ازمة العالم الجديدة، ليجعله ساسة الأزمة بنداً بديلاً في نهجهم منع الحلول لأزمات لبنان الفعلية. أمس نبّه صندوق النقد الدولي أن السلطة لم تقم بشيء لبدء التفاوض معها، لا في اعداد خطة التعافي ولا في حصر الخسائر… اعاد الصندوق فرسان السهول الاوكرانية الى حجمهم: كاذبون وفاسدون في بلد يُمنع عليه ابداء القلق على مصيره فكيف على مصير الآخرين.