Site icon IMLebanon

الغاز الإيراني أم اللبناني؟

حين قام كبير مستشاري الخارجية الأميركية لأمن النفط آيموس هوكشتاين، الوسيط الأميركي في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بزيارة بيروت في مطلع شباط الماضي لعرض اقتراحاته حول ما وصفه «الصفقة»، قال له أحد المسؤولين: «من المؤكد أنك تريد أن تعرف ما هو موقف «حزب الله» من مفاوضات الحدود»، فأومأ له بالإيجاب. حينها أبلغه المسؤول اللبناني أن الحزب لا يعارض المفاوضات ولا يتدخّل فيها وأبلغنا أن لا علاقة له بها ولن يعارض عملية الترسيم ولن يؤيّدها، وأن الأمر منوط بالسلطة السياسية وهو يقف خلف ما تقرره في هذا الشأن.

علق الوسيط الأميركي قائلاً: «هذا خبر جيد (good news)». وكانت جريدة «هآرتس» نشرت أن هوكشتاين تبلّغ موافقة الحزب على المفاوضات، وأن إسرائيل تتوقّع التوصل إلى اتفاق.

مباحثات هوكشتاين في بيروت لم تنتهِ إلى موافقة على العرض الذي قدّمه أو إلى رفض، على رغم الاتفاق بين المسؤولين اللبنانيين على القول إن «هناك أفكاراً» جدية وإن «هناك تطوراً إيجابياً» حصل باتجاه التسليم بمطالب لبنان. الرئيس ميشال عون طلب منه أن يكون عرضه مكتوباً مع الحيثيات القانونية، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي اكتفى بإبلاغه أنه سيتشاور مع الرئيس عون ورئيس البرلمان نبيه بري. والأخير طلب منه خريطة، لكنه لم يقبل باقتراحه أن «نعطي شيئاً لإسرائيل بالمقابل»… إلّا أن ما اتّفق عليه الرؤساء الثلاثة هو التّكتّم على طبيعة العرض وماهية التنازل الذي طلبه لمصلحة إسرائيل.

وقبل أن يرسل هوكشتاين الصيغة المكتوبة لاقتراحه برسم الخط 23 متعرجاً للحدود مع إسرائيل من أجل ضمان حصول لبنان على حقل قانا كاملاً، بضم الجزء القليل منه والذي يتجاوز هذا الخط باتجاه المنطقة المفترض أن تكون ملكية إسرائيل، إلى المنطقة العائدة للبنان، مع الخرائط، في الثالث من الشهر الجاري، كان سبقه ببضعة أيام، موقف من «حزب الله» على لسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد يقول فيه «سنبقي غازنا مدفوناً في مياهنا إلى أن نستطيع منع الإسرائيلي من أن يمدّ يده على قطرة من مياهنا… وليعلم العدو ومن يتواصل معه، وسيطاً وغير وسيط، أن الإسرائيلي لن يتمكن من التنقيب عن الغاز ما لم ننقب نحن عن الغاز ونستثمره كما نريد». وسبقت موقف رعد كتلة «الوفاء للمقاومة» بالإشارة إلى «وجود إشارات وإرهاصات يتوسّلها الوسيط الأميركي لحياكة أمر واقع يأمل أن يفتح، ولو مستقبلاً، نوافذ تطبيع مع العدو الصهيوني». هذا على رغم نفي هوكشتاين أن تشمل الصفقة التي يقترحها التطبيع، إلا إذا كان اقتراحه يشمل انضمام لبنان إلى منتدى شرق المتوسط للغاز الذي يضمّ مصر وقبرص واليونان وإيطاليا وإسرائيل… وهو أمر لم يشر إليه أي من مصادر المعلومات.

المسؤول اللبناني الذي كان نقل للوسيط الأميركي تسهيل الحزب للمفاوضات، استفسر عمّا إذا كان هناك من تغيير بعد موقف رعد والكتلة النيابية، فجاءه الجواب بأنه موقف استيعابي للذين يعارضون التخلي عن الخط 29 وللتأكيد أن لبنان لن يتخلى عن الحقوق وأن ليس هناك من تطبيع مع العدو. أي أن الحزب قلّل من أهمية اعتراض رعد وتأثيره على المفاوضات.

جاء كل ذلك مع أن كبار المسؤولين سبق أن أبلغوا هوكشتاين خلال زيارته الأولى في تشرين الأول أن فكرة تولي شركات استخراج الغاز توزيع الحصص بين لبنان وإسرائيل من حقل قانا، مرفوضة، فاستبعدت.

لكن تغيير لهجة الحزب وفق البعض جاء بعد أيام على اندلاع الحرب في أوكرانيا، التي سبقها ولحقها الحديث الأميركي الأوروبي عن السعي لتأمين الغاز البديل عن الغاز الروسي لأوروبا، في سياق الحرب الاقتصادية التي تشنّها دول الغرب. وإذا كان استعجال ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل هو أحد البدائل المتوسطة المدى لتوريد الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، (لأن استخراج الغاز اللبناني سيأخذ وقتاً أكثر)، فإن المطروح في المنتديات الدولية هو أن يكون الغاز الإيراني أحد البدائل، ما يوجب استعجال مفاوضات فيينا ليكون هذا الخيار متاحاً بعد إنجاز الاتفاق على النووي، فلا يقتصر الأمر على الغاز الإسرائيلي.

ما يجري يؤشر إلى أن في لبنان فريقاً يساير الجانب الأميركي في استعجال ترسيم الحدود البحرية، من أجل مكاسب سريعة مع واشنطن، باتت معروفة، قبل استخراج الغاز في البحر، وفريقاً قد يرى في استئخار الترسيم ورقة من أجل مكاسب أبعد مدى من لبنان وغازه المدفون في البحر، طالما تأخر استخراجه كل هذه السنوات.

إنه واحد من أسباب تأخير الترسيم الكثيرة.