أحجية لبنانية: منذ تكليفه تشكيل الحكومة اصطدم سعد الحريري بعقبات حالت دون اتمام مهمته. العقدة الأولى تمثلت في إصرار “القوات اللبنانية” (حافظت على إسمها من أيام الحرب الأهلية) على التمثل بعدد من الوزراء وحقائب “دسمة” لا يتناسب وحجمها النيابي، وحلت العقدة بأمر من الخارج، على ما قيل. ثم برزت العقدة الدرزية وعدم موافقة زعيم الطائفة على تمثيل زعيم آخر، وحلت العقدة بإيحاءات من الخارج أيضاً، لتبرز عقدة “سنة 8 آذار” الذين رفض الحريري، باعتباره “أبا السنة”، على ما قال، توزير أحد منهم. ثم حلت العقدة الثالثة بـ “تنازل” رئيس الجمهورية عن “وزيره السني” وإهداء حقيبته إلى هذا التكتل ليمثله في الحكومة على أن يحضر الوزير اجتماعات نواب “التحالف الوطني” الذي يرأسه صهره فحلت العقدة وشكلت الحكومة.
هذا الحل كان مطروحاً منذ تكليف الحريري فلماذا تأخر تشكيل حكومة “الوحدة الوطنية” تسعة شهور؟
راجت خلال مرحلة المشاورات تحليلات كثيرة خلاصتها أن دولاً إقليمية تعرقل التشكيل، وأن الولايات المتحدة لا تريدها لأن “حزب الله” سيكون ممثلاً فيها بوزارات “وازنة”، وأن الرئيس المكلف وفريقه ينتظران تطورات الحروب السورية، وربما ما زال يراهن على سقوط النظام ليستبعد حلفاء دمشق. كما أن هؤلاء الحلفاء لا يريدون تسهيل مهمته، مراهنين على انتصار الأسد، وتهافت كل الدول على طلب وده والعمل لإعادته إلى الجامعة العربية، وعلى لعبه دوراً في تشكيل الحكومة يضمن لهم الغلبة.
توحي هذه التحليلات الرائجة أن الدول الإقليمية والعالمية لا هم لها سوى لبنان، وأنها أمضت تسعة شهور كي تتوافق على أسماء الوزراء والحقائب المسندة إليهم. وهذا من باب مبالغات اللبنانيين لإعطاء أنفسهم أهمية أكبر من أحجامهم. لكنه في الوقت ذاته مؤشر إلى استعداد الطبقة السياسية لاستتباع نفسها إلى الخارج، والدفاع عن مصالح هذه الدولة أوتلك وليس إدارة شؤون الناس وتأمين الخدمات الضرورية للمواطنين الغارقين في الفقر والمحتاجين إلى العمل والطبابة والتخلص من النفايات وتأمين الكهرباء وإنشاء الطرق وتحسين البنى التحتية.
الحكومة الجديدة لم تستثن أي حزب أو طائفة عدا العلمانيين والمطالبين بتغيير النظام الطائفي. وهؤلاء لا يستطيعون محاسبتها لا في البرلمان، لأنهم غير ممثلين فيه، ولا في الشارع لأن “الجماهير” خاضعة لإرادة زعماء الطوائف. ولأن تحريك الصراعات السياسية قد يؤدي إلى حروب أهلية.
لن يستطيع أحد محاسبتها فربع المجلس النيابي ممثل فيها، وقد تحولت مهمته إلى المحافظة عليها مهما ارتكبت فهي حكومة “الرئيس القوي” وكتلته البرلمانية لا يستهان بها، وحكومة “الجمهورية القوية” و”قواتها” بالتحالف مع الحريري. وهي أيضاً حكومة “المقاومة” وتحالف بري – “حزب الله” لن يفرط بها.
تحول النظام الديموقراطي البرلماني الذي يتباهى به اللبنانيون إلى مجرد شعار لتغطية الإرتكابات، من تقاسم الثروة ، على ضآلتها، إلى التغطية على الفاسدين الذين يسرقون قوت الناس باسم المحافظة على حقوق الطائفة.