عون يكمل حملة صهره لدفع الحريري إلى الاعتذار والأخير متمسك بمهمته
حاول رئيس الجمهورية ميشال عون بتدخله الشخصي المباشر بتوجيه الاتهامات الملفقة ضد رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري في حضور رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب وسربت عمداً إلى وسائل الإعلام، استكمال حملة التصعيد السياسي التي شنّها صهره النائب جبران باسيل يوم الأحد الماضي، ولم تؤد مبتغاها، إلى تأجيج الخلاف السياسي وتوسيع شقة الخلاف وقطع الطريق نهائياً على استمرار تكليف الحريري على هذا النحو وحمله بالنهاية على الاعتذار بعدما سدّت امامه كل سبل تأليف حكومة اختصاصيين على أساس المبادرة الفرنسية.
ما قاله رئيس الجمهورية بحق رئيس الحكومة المكلف بحضور رئيس الحكومة المستقيلة واتهامه بالكذب زوراً هكذا امام وسائل الإعلام، لا يليق بمقام الرئيس أولاً ولا بطريقة التعاطي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف مهما بلغت حدة الخلاف السياسي بينهما ولا يعبّر عن نوايا حسنة للتعاطي بينهما في المشاركة بتولي السلطة وإدارة شؤون النّاس والدولة، بل يحمل في طيّاته خروجاً فظاً عن السلوكية اللائقة التي تحكم العلاقة عادة بين أي رئيسين في مثل هذه الحالة.
ولكن محاولة رئيس الجمهورية هذه التي قُصِدَ من خلالها توجيه الضربة النهائية لعملية تشكيل حكومة الاختصاصيين الإنقاذية، انقلبت على صاحبها رأساً على عقب أو على مدبريها من الصهر ونزولاً، بعدما أظهرت البيانات الرسمية الموثقة على موقع رئاسة الجمهورية وتضمنت تفاصيل جلسات التشاور في بيانات رسمية اعترافاً صريحاً بتسلم عون للتشكيلة الحكومية من الحريري بالتواريخ المحددة، ما يعني أحد أمرين، اما ان يكون رئيس الجمهورية قد نسي بالفعل ما حصل بينه وبين الحريري في جلسات التشاور المذكورة وتصرف على هذا وما يمكن ان يترتب على مثل هذه الواقعة من تداعيات على إدارة شؤون الرئاسة ككل والبلد عموماً، أو ان فريق الصهر العزيز المولج بتدبيج مثل هذا الإخراج المتعمد لكلام رئيس الجمهورية بالصورة والصوت معاً، قد عماه حقده الباطني عن استذكار أو التنبه للبيانات المذكورة، ما اوقع رئيس الجمهورية ومن حوله بهذا المأزق الذي يكشف بوضوح عن خفايا ما يدبر لتعطيل تشكيل الحكومة المرتقبة ويفضح زيف كل التبريرات والتعهدات التي قطعت للداخل وآخرها مع البطريرك الماروني بشارة الراعي ومع الرئيس الفرنسي ومعاونيه ويظهر علانية من يكذب على الرأي العام الذي باتت كل الوقائع والمعطيات المدونة امامه.
ما قاله رئيس الجمهورية بحق الرئيس المكلف لا يليق بمقام الرئاسة ولا يعبر عن نوايا حسنة
ولكن لا يمكن تجاهل مضمون اتهامات رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة المكلف بالكذب زوراً وأبعادها وتأثيرها على عملية تشكيل الحكومة الجديدة أو على الواقع السياسي ككل في المرحلة المتبقية من ولاية عون التي تنحدر بسرعة نحو النهاية الكارثية بكل معانيها.
أولى هذه الأبعاد ان رئيس الجمهورية وخلافاً للدستور لم يتقبل تسمية الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة ولن ينصاع لرغبة أكثرية النواب التي سمته لهذا المنصب خلافاً لرغبته ورغبة صهره جبران باسيل، ولذلك، لم يهضم هذه التسمية، لا من قريب أو بعيد، وهو يضع العصي في طريق عملية التشكيل، ويرغب ضمناً في إنهاء حالة عدم اعتذار الرئيس المكلف بشتى الوسائل والاساليب الممجوجة، كي يتسنى له، إما اعطاءه اليد الطولى في تسمية رئيس للحكومة تتلاءم توجهاته السياسية مع طموحات ومصالح صهره في مواقع وادارات الدولة ووارداتها المالية على اختلافها، أو على الأقل استمرار حكومة تصريف الأعمال الحالية والتي من خلالها يحاول ان تكون له اليد الطولى بإدارة وتسيير شؤون الدولة بدون شريك فعلي كما هي الحال في الوقت الحاضر.
إلا أن حسابات وحملات عون وصهره لحمل الحريري على الاعتذار عن تشكيل الحكومة لا تتطابق مع وقائع التوازنات السياسية والشعبية الداخلية والعربية والمبادرة الفرنسية على حدٍ سواء، وليس بالسهولة تكرار تجربة تأليف حكومة على غرار حكومة حسان دياب نظراً لتبدّل الظروف السياسية والاقتصادية والتطورات والأوضاع إقليمياً ودولياً.
فتجربة إعطاء عون اليد الطولى لتأليف حكومة حسان دياب لم تكن مشجعة، والدليل على ذلك ما اوصلت إليه البلاد من حالة انهيار على مختلف المستويات وفشل ذريع في معالجة أبسط الملفات، برغم حالة السماح التي أعطيت لها لفترة غير قصيرة، في حين كان أحد المسببات الرئيسية لفشلها تحكم «رئيس التيار الوطني الحر» بسياساتها وتوجهاتها.
الأهم من كل ذلك، في الوقت الحاضر ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يستند في مهمته لتشكيل حكومة الاختصاصيين الإنقاذية إلى المبادرة الفرنسية بكل محتواها وإلى تأييد واسع من اقطاب السنة في لبنان وإلى تأييد شعبي وكتلة نيابية وازنة، وشبكة علاقات عربية ودولية واسعة، وهو ما يفتقده أي مرشّح ثانوي آخر لرئاسة الحكومة يريده عون وفريقه السياسي مطواعاً لسياساتهم، ما يجعل الحريري متشدداً بالاستمرار بمهمة تشكيل الحكومة ولن ينصاع لرغبات وحملات التصعيد التي اختتمها رئيس الجمهورية باتهاماته ضد الرئيس المكلف على هذا النحو المرفوض كلياً، بينما كان من المستغرب الصمت المطبق لرئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب الذي لم يبد أي اعتراض إزاء ما قاله رئيس الجمهورية بحق الحريري الذي تضامن بقوة مع دياب يوم تمّ الادعاء عليه في ملف تفجير مرفأ بيروت برغم كل التباينات السياسية معه.
وفي الخلاصة تؤشر حملات التصعيد السياسي التي بلغت هذا المستوى المرفوض إلى الانتقال من أزمة تشكيل الحكومة إلى أزمة حكم تلوح بالافق في ظل رفض معظم القوى السياسية الوازنة لهذا السلوك السياسي وانكفائها عن الرئاسة الأولى ومعارضتها لمنحى التعاطي السلبي في تشكيل الحكومة الجديدة، ما يعني ان لبنان دخل مرحلة سياسية غير مستقرة، لا يمكن تحديد نتائجها وتداعياتها المستقبلية.