يشي التصعيد الذي يحكم مواقف القوى السياسية، وتحديداً بين الرئاستين الأولى والثانية، بأنّ مشوار التأليف لا يزال طويلاً ودونه عقبات كثيرة، خصوصاً أنّ السجال بين بعبدا وعين التينة، عبر نواب الفريقين وقياداتهما، بلغ سقوفاً غير مسبوقة تزيد من الإشارات بأنّ محاولة رئيس مجلس النواب لاختراق الحواجز والعقبات لا تزال محكومة بالفشل.
ومع ذلك، دعا المكتب السياسي لـ”حركة أمل” إلى “متابعة مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الإنقاذيّة، التي تشكّل بآليّاتها ومندرجاتها المخرج العملي للوصول إلى إنجاز تأليف الحكومة العتيدة، للقيام بالإصلاحات الماليّة والإداريّة والاقتصاديّة؛ التي لم يعد هناك متّسع من الوقت لإنجازها قبل الانهيار الشامل”، بعدما غمز من قناة الرئاسة الأولى إزاء “تجاوز البعض روح الدستور ونصّه وخلق أعراف وقواعد جديدة في أدوار المؤسّسات ورئاساتها”، لينضمّ إلى الفيتو الذي سبق للرئيس بري أن رفعه بوجه المطالبين بالثلث المعطّل، قاصداً به الفريق العوني.
وقد ألحِقت “الشكوى” من تجاوز الدستور بتحذير النائب أنور الخليل من “فرض الحلّ تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة”، ما اضطر العونيين إلى فتح النار بوجهه ونبش ملف الأموال المحولة إلى الخارج التي يُتهم الخليل بأنّه من الأسماء المدرجة في هذه الخانة.
في الواقع، فإنّ هذا السجال العابر للمقار الرئيسية يثبت بما لا يقبل الشكّ بأنّ مكوّنات طبخة الحكومة لا تزال من “بحص”، ما يعني بأنّ الاتكال على همم القوى المحلية، سيترك الحكومة في وضع المراوحة القاتلة. اذ إنّ الوقائع والتجارب السابقة والحسابات الضيّقة، تؤكد أنّ العهد بركنيْه، أي رئاسة الجمهورية ورئاسة “التيار الوطني الحر”، لن يقدم على أي خطوة تنازلية أو الى الأمام، مهما اشتدّ الضغط الداخلي المتمثل بالأزمة المالية – الاقتصادية – الاجتماعية، لكونه يعتبرها آخر معاركه وأوراق قوته ولذا لا يبدي أيّ استعداد للتخلّي عن آخر مكتسباته.
في المقابل، يتصرّف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالروحية ذاتها بمعنى رفضه الإقدام على أي خطوة تراجعية من شأنها أن تسهّل التأليف، لإدراكه أنّ هذا التراجع هو أمر مرفوض من جانب القوى الدولية المعنية بالملف اللبناني، وفي طليعتها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. ولذا يحاول الرجل تقطيع الوقت الضائع من خلال جولات خارجية تحاكي التطورات المنتظرة دولياً واقليمياً على صعيد المفاوضات المرتقبة، والتي من شأنها أن ترسم معالم المنطقة للعقد المقبل، مكتفياً بالاحتفاظ بورقة التكليف في جيبه.
هكذا، يُفهم أنّ الأزمة الحكومية خرجت عن الحدود اللبنانية، وباتت معلّقة على حبل التطورات الاقليمية وتحديداً المفاوضات المرتقبة بين الولايات المتحدة وإيران، حتى أنّ بعض العواصم المعنية بالملف باتت مقتنعة أنّ قيام الحكومة ومن بعدها الورشة الإصلاحية بات يحتاج إلى تقاطع إقليمي له أثمانه الباهظة، ولم يعد بمقدور اللبنانيين التحكّم بمساره أو مصيره. ويرى بعض المعنيين أنّ العهد يستفيد من هذا الهامش لرفع سقف مواقفه وحفظ مكانته على طاولة المفاوضات، لكونه مقتنعاً أنّ لحظة التسويات لم تحن بعد. ولذا يتصرف على أساس تعزيز أوراقه وتحسين موقعه التفاوضي… بانتظار ساعة الحسم. ويذهب البعض من غير حلفاء “حزب الله” إلى حدّ الجزم، بأنّه لو توفر تقاطع دولي حول الحكومة اللبنانية، لكان مشوار تأليفها لا يحتاج لأكثر من أيام معدودة.
بالنسبة لهؤلاء، ثمة احتمالان اثنان قد يدفعان نحو تسريع مشاورات التأليف: إما ضغط دولي (ولعل هذا ما ألمح إليه النائب أنور الخليل ومعه دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي، الى طرح القضية اللبنانية على مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، “لسدّ الثغرات الدستورية والإجرائية تلافياً لتعطيل آلة الحكم أشهراً وأشهراً، عند كلّ إستحقاق لإنتخاب رئيسٍ للجمهوريّة ولتشكيل حكومة”)… وإمّا انفجار داخلي يطيح بكل ما هو قائم ويحوّل الحكومة إلى بند ثانوي على جدول أعمال النفضة الدستورية. أمّا غير ذلك، فمن الصعب، إن لم نقل من المستحيل رصد أيّ من فريقيّ الخصومة، يبادر من تلقاء ذاته نحو الآخر.