IMLebanon

اللبنانيون يستقبلون العيد 72 للإستقلال بالنــفايات والفراغ وتقهقر «الصيغة»

بعد 72 عاماً على استقلال لبنان، لا بّد من إعادة النظر في طريقة إدارة الدولة الهشّة، وتقويم المراحل التي تلت تلك الحقبة لمعرفة سبب تحوّلنا من «سويسرا الشرق» الى بلد النفايات المرميّة في الشوارع، والصيغة المعطّلة، والمؤسسات المشلولة بسبب غياب رئيس الجمهورية.

يغيب الاحتفال الرسميّ بهذا العيد للسنة الثانية على التوالي بعد عجز الطبقة السياسيّة عن إنتخاب رئيس للجمهوريّة، في وقت ستوضع أكاليل من الزهر على أضرحة رجال الإستقلال الذين حاولوا بناء دولة قويّة، فكان الفشل الداخلي والرياح الإقليمية التي ضربت بلد الأرز أقوى من أحلامهم.

درجت العادة أن يحتفل اللبنانيون بعيد الاستقلال عن فرنسا في 22 تشرين الثاني من كلّ عام، لكنّ الثابت في كتاب التاريخ أنّ الاحتلال الجديد يمحو الاحتلالات القديمة، فمثلاً، لماذا لا نحتفل بعيد الاستقلال عن الإمبراطورية الرومانية أو عن حكم الأمويين والعباسيين والسلطنة العثمانية؟

قد يكون الاحتفال الرسمي في 22 تشرين الثاني على اعتبار أنّ فرنسا هي آخر دولة أجنبية احتلّت لبنان، لكن سقطت من قاموس البعض فترة الإحتلال السوري التي حكمت لبنان بالحديد والنار حيث دفع اللبنانيون دماً وآلاف الشهداء لإخراجه من بلدهم، بينما إستقلال 1943 إنتُزع بفضل التباين الفرنسي- البريطاني وتضارب المصالح بينهما آنذاك.

ما أرحم الإنتداب الفرنسي على بلدنا من تصرّفات بعض أهل البيت، فقد تفتح العودة الى كتب التاريخ الجراح، لكنها ضرورية. ففي المبدأ، إنّ كلّ الاحتلالات مرفوضة، لكنّ اللبنانيين مختلفون حتى على هذه النقطة، وكلّ طرف يقسّم الإحتلال حسب نظرته وتحالفاته، وكأنّنا شعب يشبه الخطين المتوازيَين اللذين لا يلتقيان.

يستعدّ الشعراء لإلقاء قصائد الشعر، وستُروى الأساطير عن الإستقلال، وتستفيق روح اللبنانيين الوطنية، تلك الروح التي لا تظهر سوى في الكوارث والنكبات والأزمات، بينما الشغل الشاغل للطبقة السياسية في الأيام العاديّة، هو الضرب في أساسات الوطن وبنيانه خدمة لمصالحها الفئويّة.

تدور في رأس كلّ لبناني مجموعة أسئلة أبرزها: عن أيّ إستقلال يتكلمون، ومعظم الطوائف تتبع الخارج، فما الفارق بين أن يجلس المفوّض الفرنسي هنري غورو أو هنري دينتز أو غيرهما في قصر الصنوبر ويحكم لبنان، أو يتدخّل سفراء الدول الحاليون في كلّ شاردة وواردة؟ وعن أيّ إستقلال يتكلمون والنفايات تجتاح شوارعنا وعاصمتنا بينما لم يحضر هذا المشهد أيام الانتداب أو حتى إبان الحرب الأهلية؟

أيّ استقلال في ظلّ غياب رئيس للجمهورية؟ ففي عزّ فترة الحرب العالمية الثانية كان هناك رؤساء (ألفرد نقاش، أيوب تابت، بترو طراد، بشارة الخوري)، والقول إنّ الانتداب الفرنسي كان يعيّنهم، فهذا الأمر لم يختلف كثيراً مع معظم الرؤساء الذين إنتخبوا بعد الإستقلال بكلمة سرّ خارجيّة أو إتفاق إقليمي- دولي.

وعن أيّ وطن أو كيان يتحدثون وعقل السنّي في السعودية، والشيعي في إيران، والمسيحي والدرزي اللذين بنيا فكرة الحكم الذاتي والكيان ضائعان وسط الخوف من الديموغرافيا الزاحفة نتيجة استراتيجيات البعض والدفع من أجل زيادة الولادات لترجمتها سياسياً؟

وأيّ استقلال في ظلّ وجود سلاح يتخطّى الدولة ويقاتل في الخارج، وفي ظلّ وضع إقتصادي صعب، وحكم غير قادر على استخراج النفط من بحره بسبب الخلاف على المحاصصة؟

تدفع كلّ هذه العوامل الى التفكير جدّياً بالوطن الذي يتمزّق بفعل ممارسات بعض ابنائه خصوصاً أنّ اللبناني يُبدع في الخارج ويفشل في وطنه. من هنا، أهمية طرح الأمور على الطاولة كما هي، ووقف التكاذب والكلام الشعري وإلّا ستتجدّد الأزمات مع إشراقة كلّ شمس.

فإذا لم تقتنع مكوّنات لبنانية بعد 72 عاماً بنهائيّة الكيان اللبناني والولاء له، فلن تقتنع به ولو بعد مليون سنة، وكذلك الأمر بالنسبة الى طريقة الحكم والإستئثار والإستفراد.

الصيغ التي يمكن أن تُطرح على الطاولة كثيرة، من لامركزية إدارية، الى لامركزية موسّعة، وفيدرالية، لكن على كلّ مكوّن أن يقول ماذا يريد بصراحة.

ففي الامس، أُقرّ قانون استعادة الجنسية للمتحدّرين من أصل لبناني، وفي الوقت نفسه إستفاق لبنان على مشهد النزوح الجماعي في البحر لأبناء طرابلس، تلك المدينة التي لم تترك قضية عربية وإسلاميّة إلّا ودعمتها، لكنها لم تناصر نفسها وتنتفض على واقعها المذري وحرمانها، فوقعت الكارثة، من هنا يجب أن يعمل كلّ لبناني على قاعدة «ماذا ينفع الانسان إن ربح قضايا العالم وخسر وطنه».

عندما تفاتح القوى السياسيّة بنظام الحكم أو الصيغة المقبولة لإدارة شؤون البلد، يكون الجواب إنّ هذا الموضوع يحتاج الى قرار وتوافق إقليمي- دولي، وهذا يثبت أكثر وأكثر أننا بلد غيرُ مستقلّ وقرارنا ليس في يدنا، وهنا فإنّ اللبنانيين أمام خيارين: إما إتخاذ قرار تاريخي بالإستقلال الفكري والمالي والسياسي عن كلّ دول العالم والذهاب نحو الحياد، أو وقف الإحتفال باستقلال 1943، حفظاً لجميل فرنسا التي بنَت مؤسسات هذه الدولة، حيث كان للبنان عام 1926 مجلس شيوخ، أما الآن فيغرق في سوداوية حالكة ودوامة لا يستطيع الخروج منها.