تترقّب القوى السياسية اللبنانية نتائج اجتماعات فيينا، وما يرسم من حلول لسوريا، محاولةً إعادة تجميع أوراقها استعداداً لأي نتائج قد تكون مفاجئة
إذا كانت القوى اللبنانية تترقب، بتمعّن، ما سينتج من مؤتمر فيينا حول سوريا، وتقويم ما أدى إليه التدخل الروسي على الاراضي السورية، فإن السبب يعود الى أن الرهانات من فريقي الصراع، أي 8 و14 آذار، تكبر تدريجاً على وقع أي خطوة في مسار المفاوضات الجارية حول مستقبل النظام السوري وما سيؤول اليه وضع الرئيس بشار الاسد.
من هذا المنطلق، لا يزال كل فريق يتعامل مع الدور الروسي الجديد وفاعليته ومدى تحقيق الضربات الجوية إنجازات فعلية على الارض، من زاوية مختلفة، وكذلك الامر بالنسبة الى دور إيران في النقاش حول سوريا، وطلب الولايات المتحدة مشاركتها في المفاوضات الحالية.
من الواضح أن فريقي الصراع الداخلي يتعاملان مع تطورات سوريا على أساس أن ما يطرح من حلول لإنهاء حربها بات يمكن تحقيقه خلال أشهر قليلة، وأن موعد هذه الحلول لن يتجاوز الاشهر الاولى من عام 2016. لكن المشكلة هي في كيفية تعامل هذين الفريقين مع شكل الحلول المقترحة، وسط رؤيتين مختلفتين تماماً:
الأولى تتحدث عن إنهاء سوريا، بالمعنى المعروف جغرافياً وتاريخياً، وإعادة رسم خريطة جديدة، وبدء تطبيق الفيدرالية بمعناها الحديث، وعدم وجود الرئيس بشار الاسد في أي صيغة حل، وقبول روسيا ــ بعدما عجزت ضرباتها الجوية عن تحقيق إنجاز نوعي ــ بحلول تفرضها الوقائع الميدانية، وعلاقاتها مع واشنطن وأوروبا اللتين تفرضان عقوبات عليها بسبب أوكرانيا، ودور السعودية في فرض روزنامة عمل مختلفة.
تجاوز حزب الله والمستقبل خلافاتهما الحادة والتقيا على تفعيل الحكومة والحوار
والثانية تتحدث، بطبيعة الحال، عن إعادة إمساك الاسد بزمام السلطة بدعم روسي وإيراني، وأنه باق حكماً كجزء من الحل السياسي ولن يكون خارجه، من دون الذهاب الى تفاؤل كبير بإعادة اللحمة الى سوريا في ظل استمرار وجود تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الارهابية.
بين القراءتين، يحاول فريقا الصراع في لبنان الامساك بالوضع الداخلي من زاوية تجميع كل فريق أوراقه، استعداداً لمواكبة المرحلة المقبلة سورياً. وفق ذلك، تعامل معارضو حزب الله مع الكلام الأخير لأمينه العام السيد حسن نصرالله الاخير، ورفعه لهجة «غير مبررة» ضد الولايات المتحدة، في وقت تتقدم علاقات واشنطن وطهران بخطى ثابتة. يريد حزب الله في هذه المرحلة تطبيع الوضع الداخلي، وعدم الذهاب الى مغامرات غير محسوبة. واطمئنانه الى الوضع الامني، لأسباب عملية، لا يعني أنه يمكن أن يفرّط حالياً بالعلاقة مع تيار المستقبل. لذا كان لافتاً كلام نصرالله الحاد ومن ثم إصراره على الحوار مع تيار الرئيس سعد الحريري، كذلك كان لافتاً ردّ الاخير بقوة ومن ثم إصراره وتياره على المضي في الحوار.
يحاول الطرفان إمساك العصا من نصفها، لأن لكليهما اليوم مصلحة في إعادة تدوير الزوايا استعداداً لمرحلة إقليمية حساسة. من المفارقة ما يقوله أحد السياسيين عن أن «حرب سوريا انتهت»، وهذا يعني أن جميع المتورطين فيها يعرفون أن إعلان موعد انتهائها بأشكالها المختلفة، يفترض إيقاعاً مختلفاً في لبنان. وهنا يكمن سرّ الصحوة المفاجئة للتهدئة حكومياً ونيابياً. لا يريد حزب الله استمرار المراوحة الحكومية، بعدما راضى حليفه رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون في ملف التعيينات والآلية الحكومية، لأن هذا الوضع بات يشكل ثقلاً إضافياً على وضعه الداخلي، بعدما كان قد حيّد وضع الحكومة عن أولوياته. فكان إيجاد حل لأزمة النفايات مخرجاً مناسباً لتعويم الحكومة، وقبول عون حضور جلسة خاصة بالنفايات. وفي المقابل، لا يريد المستقبل أيضاً استمرار التأزيم، فكان المخرج بالتهدئة التي سلكها الرئيس تمام سلام في خفض سقفه العالي والقريب من الاعتكاف. كذلك ترافق ذلك مع إعادة طرح قضية من خارج القضايا المتداولة، أي رواتب العسكريين، التي خرجت الى العلن بإيقاع مدروس، لتتشكل ذريعة إضافية لدفع المعارضين الى جلسة حكومية. ولأن كلمة السر فعلت فعلها، أشيعت في المقابل أجواء إيجابية متعلقة بعقد الجلسة التشريعية، ووضع مشروع قانون استعادة الجنسية على جدول الاعمال (من دون أي ضمانة لإقراره) ودرس هيئة مكتب المجلس وضع قانون الانتخاب على جدول أعماله الثلاثاء المقبل، رغم صعوبة ذلك بسبب عدد قوانين الانتخاب المطروحة.
يبدو جلياً أن إيقاع حزب الله في إعادة التقاط الوضع الداخلي ومنعه من الانهيار بفعل تداخل الملفات وحساسيتها، كان سريعاً، على عكس إيقاع المستقبل الذي لا يزال في مرحلة التجاوب وليس في مرحلة القرار. وإذا كان الحزب والمستقبل يتعايشان على وقع حرب سوريا والحلول لها، إلا أن الحزب يعدّ الارضية للتعامل مع أي تطور سوري مهما كان اتجاهه، سلباً أو إيجاباً. في المقابل، لا يملك المستقبل قراراً واضحاً في شأن التعامل مع أي مستجد طارئ، والازمة المالية وجه من وجوه هذه الضبابية في آليات اتخاذ القرار، ما دامت السعودية لم تتخذ قرارها بعد، لا في تعزيز وضع الحريري داخلياً ومالياً، ولا في كشف كامل أوراقها تجاه ما ستقدم عليه في شأن سوريا، قبل أن ينجلي غبار اليمن.
تمكن الطرفان المعنيان من تخطّي خلافاتهما الحادة والتقيا مجدداً على تفعيل الحكومة والحوار، متجاوزين حلفاءهما الذين كانوا يملكون منذ أسابيع قدرة التعطيل. ونجاح هذه المحاولات، برضى الحلفاء، يطرح أسئلة عن احتمال أن يكون هؤلاء مقبلين على فك أسر المجلس والحكومة، بعد أشهر من التعطيل بثمن زهيد.