IMLebanon

ضمانة اللبنانيين وحدتهم..

يستعيد المسيحيون في لبنان، ممثلين بقياداتهم السياسية التي تحظى برعاية كهنوتية، هواجسهم التي تعيش معهم دائماً بل يعيشونها بقلق دائم وبحث مستمر عمن يطمئنهم إلى أنهم في بلادهم وبين أهلهم، يصيبهم ما يصيب سائر إخوانهم إلى أي دين أو أي مذهب في الدين الإسلامي انتموا.

ويأتي اللقاء المسائي، أمس، بين القطبين المسيحيين اللذين تصادما طويلاً بالسلاح ثم بالمواقف ومن ثم بالتحالفات السياسية، في موعده تماماً، في ظل الحروب التي تشنها قوات التطرف بل الإرهاب بالشعار الإسلامي على الدولتين العربيتين الأقرب إلى لبنان، واللتين كانتا «علمانيتين» بالنص الدستوري وإن اختلف الواقع عن الشعار: سوريا والعراق.

ولا ينفع الجدل حول مبررات هذا اللقاء الذي سيستولد واقعاً سياسياً جديداً في لبنان، وإن كان خاطئاً الافتراض أن ما «قد يصيب» المسيحيين في المشرق إنما يستهدفهم وحدهم وبدينهم بالذات.

ذلك أن عصابات الإرهاب السياسي بالشعار الديني والتي تحاول الانتقام من المسلمين الكفرة الذين دمّروا «دولة الإسلام» أو خانوا أهدافها، وذلك بشطب الحاضر وتهديد وحدة البلاد وأهلها، وبالاستطراد كيانها السياسي.

إن مستولدات «القاعدة» وتفرعاتها وطبعتها المنقحة، والمزيدة ممثلة بـ«دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام»، الشهيرة باسم الدلع «داعش»، تحاول مسح التاريخ وشطب الأمة العربية منه، بأكثريتها الساحقة من المسلمين.. بل هي تجتهد في إعادة أسلمة المسلمين، وتحديداً أهل السنة منهم، بينما حكمها مبرم بتكفير سائر المسلمين، شيعة ودروزاً وعلويين وإسماعيليين، فمآلهم جهنم وبئس المصير… ولا يهم أن يُكتب هذا المصير بحد السيف أو بالسكين أو برصاصة الرحمة يطلقها من فوّضوا أنفسهم بصلاحيات الخالق، عز وجل.

القلق على المصير مشروع، بل هو بديهي في هذه اللحظة، بينما سوريا مهددة بوجودها وليس فقط في وحدة كيانها السياسي، والعراق يكاد يفقد أكراده الذاهبين إلى دولة غير دولته، بينما تعلو أصوات الدعاة إلى الفيدرالية بحيث يكون لأهل كل مذهب «دولة» غير دولة الآخرين وإن جمعهما النفط والمصالح الأجنبية.

وليس من الوطنية أو العقل أو حتى المصلحة أن يقوم بعض عتاة الكيانية في لبنان بفرز المسيحيين في العراق أساساً، ومن ثم في سوريا، ولا سيما منهم الكلدان والأشوريون والسريان، فضلاً عن اليزيديين والصابئة، عن سائر «الأهالي» وينظرون إلى الاعتداءات الوحشية التي طاولت هذه الأقليات القومية والعرقية وكأنها تقدم النموذج لما «يخطط» له المسلمون الذين كانوا أشقاءهم في التاريخ وفي الجغرافيا، في الوجع وفي أيام السعد النادرة… سيما وقد حفلت السنة الماضية بجرائم القتل الجماعي لمسلمين سنة وشيعة بما يؤكد وحدة القرار بإعدام كل من لا يستسلم لداعش، أو استرهانه في عائلته ومعاشه بل وحياته جميعاً.

إن دول المنطقة، برعاياها جميعاً ولأي دين أو طائفة انتموا، مهددة في وجودها، وليس فقط في كياناتها السياسية أو في وحدة شعبها وطموحه إلى غد أفضل كان حلمه فيه الوحدة العربية.

والكيانية المغلّفة بالطائفية أو المذهبية ليست حلاً، فدولة «داعش» تقتل المسلمين السنة الذين لا يوالونها وكأنهم خوارج، وتقتل المسلمين الشيعة باعتبارهم خارجين على الدين، أما الدروز والعلويون والإسماعيليون «فكفرة» حتى يجهروا بإسلامهم وعلى أيدي الدعاة الداعشيين.

إن الوطن مهدّد بشعبه جميعاً، ولعل المسلمين، سنة وشيعة، يتقدمون على المسيحيين في هذا المجال… وليس من أمان لطائفة بالذات أو لمجموعة من الطوائف، بل إن أبسط شروط المواجهة أن يتوحد الجميع لاستنقاذ الوطن بشعبه جميعاً. ولن ينظر الدواعش إلى الخلل الدستوري أو إلى الظلامات الدينية والمذهبية، فهم يطلبون الحكم لخليفتهم وبدستورهم المكتوب بالطلقات القاتلة أو بالسبي وانتهاك الحرمات والأعراض.

وتهديد الوحدة الوطنية بظلامات الإجحاف أو الانتقاص من صلاحيات الرئيس أو الخلاف على طائفية الوظيفة، أو حتى قانون الانتخاب، لن يساعد على تمتين المواجهة كشعب واحد وحماية الوطن بدولته ومؤسساته التي قد لا يختلف اثنان على ضرورة الإصلاح فيها وتمتين وحدتها بالديموقراطية ومواجهة المصير المهدد بتأكيد وحدة الشعب في هذه اللحظات المصيرية التي تتهاوى فيها دول المنطقة العربية وكأنها من كرتون.

هلا تذكرنا إسرائيل، والغارات الأميركية التي تضرب الفراغ في كل من سوريا والعراق؟ وهلا تذكرنا أن كل ما قدمه الغرب لضحايا الحملة الوحشية على الأقليات أن استضاف بعضها كلاجئين تمهيداً لاعتبارهم مواطنين في دولهم وليس في بلادهم!