IMLebanon

لبنان يعالج أزمة  بأدوات أزمة أعمق

 لبنان الذي ينتظر القراءة السعودية في بيان مجلس الوزراء جاءته اشارة أولية معبرة: المملكة تحذر مواطنيها من السفر الى لبنان حرصاً على سلامتهم. والإمارات العربية تمنع سفر مواطنيها اليه وتخفض عدد العاملين في بعثتها الديبلوماسية. والحبل الخليجي على الجرار. والظاهر أن وقف المساعدات المخصصة لتسليح الجيش هو جزء من قرار كبير تتوالى إجراءاته. وأقل ما يعرفه الذين صاغوا البيان هو أن القراءات هنا وهناك وفي العواصم المعنية تتجاوز السطور وما بين السطور.

ذلك ان ما تطلبه الرياض الغاضبة من النأي بالنفس عن قرارات الإجماع العربي والاسلامي على التضامن معها هو خطوات عملية في بيروت يقود اليها تغيير في السياسات التي ترى أن ايران تتحكم بها عبر حزب الله. وما يستطيعه مجلس الوزراء، بصرف النظر عما يريده كل طرف، هو التوصل بعد مساومات لفظية الى بيان إنشائي لا يقدم ولا يؤخر في الواقع، وإن جاء بقوة الأمر الواقع. فالتوافق كان على نوع من التوازن بين التعابير في البيان، وليس على السياسة الخارجية، ولا على السياسة الداخلية، ولا على أي تعديل في المواقف، ولا حتى على البحث في اجراءات عملية لتطبيق سياسة النأي بالنفس عن الاندفاع السياسي والاعلامي في صراع المحاور الاقليمية، قبل الحديث عن الانخراط العسكري في الأزمات المجاورة. وما قاد الى التسليم بهذا السقف المنخفض من التوافق، برغم المواقف الحادة العالية التي بقيت على حالها، هو استحالة ايجاد بديل من هذه الحكومة ما دام الشغور الرئاسي مستمراً.

وبكلام آخر، فاننا نعالج أزمة مستجدة مع دولة عربية شقيقة بأدوات أزمة وطنية بنيوية عميقة في الداخل تكاثرت على سطحها أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتداخلت مع صدام مشاريع وأدوار اقليمية فوق المسرح العربي. وقدرنا، لا مجرد خيارنا، هو أن نحمي لبنان بالعروبة والوحدة الوطنية.

لكن حال العالم العربي ليست أفضل بكثير من حال لبنان. فالتحالف التاريخي بين الثلاثي المصري والسوري والسعودي الذي قاد العالم العربي تغيّرت الدنيا من حوله. مصر مشغولة بأوضاعها الداخلية. سوريا في حرب يصعب ان تعود الى ما كانت عليه بعد الخروج منها. والسعودية تسعى لملء الفراغ والقيام بمهام تحتاج الى شركاء ومتضامنين كما تدلّ حرب اليمن. أما دول المغرب العربي فانها مشغولة بهمومها. وأما العراق، فانه لم يعد العراق الذي عرفناه، حيث تتركز اللعبة حالياً بين ايران وداعش تحت أنظار أميركا التي تحمي الكيان الكردي.