IMLebanon

الآمال اللبنانية من الرياض إلى الفاتيكان

وكأنَّ هذا البلد يحظى بعناية إلهية تَقيه من السقوط في كلِّ مرةٍ يبدو فيها أنَّه على حافة الهاوية.

كم من قطوعٍ مرَّ على هذا البلد واعتقد الجميع بأنَّه سيسقط، ثمّ تكوّنت عوامل تُبعِد عنه كأس السقوط.

وهذا ما يجعل كثيرين يؤمنون بحقيقة أنَّ هذا الوطن لا يموت، وهي حقيقة مثبتة وليست كلاماً شاعرياً أو بيتاً في قصيدة.

بالأمس أبدى الجميع الخشية من عودة أجواء تموز 2006، فمنذ الجنون الإسرائيلي في القنيطرة وكلُّ المراقبين يتساءلون عن الرد وأين سيكون؟

الجوابُ لم يتأخر لكنه لم يكن في القنيطرة، بل في مزارع شبعا، فسأل الجميع:

هل هو بداية حرب؟

كذلك لم يتأخر الجواب:

إنه ردٌ وليس حرباً، وهذه النتيجةُ تبلورت بعد إتصالات إقليمية ودولية أفضت إلى هذه الخلاصة خصوصاً أن مسؤولاً في الأمم المتحدة حذَّر من خطر إساءة الحسابات.

***

إحاطةُ التصعيد خفَّضت من منسوب التشاؤم وأبقت على منسوب التفاؤل، ومن عوامله أن الذي حصل في المملكةِ العربية السعودية، على هامش تقديم التعازي بوفاة الملك عبدالله، دلّ على أنَّ اللبنانيينِ يستطيعون التلاقي في السرَّاء والضراء، وفي خلاصةٍ رمزية إعتبر أحد الخبراء في الشؤون اللبنانية أنَّه لم يكن ينقص الذين توجهوا إلى الرياض، من السياسيين والمسؤولين اللبنانيين، سوى الجلوس على طاولة حوارٍ هناك لوضع الأسس لمعالجة مشاكلهم، خصوصاً أنَّ المملكة كانت ولا تزال رائدة في معالجةِ مشاكل اللبنانيين، وما مؤتمرُ الطائف الذي أثمر إتفاق الطائف، سوى واحدٍ من هذه الإنجازات من المملكة حيال لبنان. والملك سلمان الذي تولى دفة القيادة خلفاً للراحل الملك عبدالله يُعطي الأملَ للبنانيين بأن قضاياهم في أيدي أمينة، وهذا ما جعل الرئيس سعد الحريري يُثبِّت هذه الحقيقة فيُعلِن أنَّ الملك سلمان عرفه اللبنانيون منذ عقود صديقاً وأخاً وراعياً، لمئات السياسيين والمثقفين والصحافيين ورجال الأعمال والإقتصاد، حتى قيل فيه إنه يعرف عن لبنان أكثرَ مما يعرف كثيرٌ من اللبنانيين، وهو لطالما أبدى حرصهُ الشديد على العلاقة المميزة التي تربط بين البلدين الشقيقين، إن كان من خلال العلاقات التي نسجها مع كثيرٍ من القيادات والشخصيات اللبنانية، ولا سيما منهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو في كلِّ مراحل تسلمه للمسؤولية.

هذا الكلام الكبير من الرئيس سعد الحريري، يدلُّ على عمقِ العلاقة بين لبنان والمملكة، ويوسِّع دائرة الأمل بأنَّ المملكة ستبقى على نهجها في تقديم يد المساعدة للبنان، سواء منها الدبلوماسية أو السياسية أو العسكرية.

***

لكن المملكةَ تقوم بما عليها فيما يبقى على اللبنانيين أن يقوموا بما عليهم، وهذا ما دفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لأن يُطلق النداء تلو النداء والصرخةَ تلو الصرخة من أننا في نهاية الشهر الثامن، من شلل في المجلس النيابي، وتعثّر عمل الحكومة في ممارسة صلاحيات الرئيس بموجب المادة 62 من الدستور، وعدم إجراء أي تعيين بالأصالة، وفراغ عدّة سفارات من سفير أصيل، وتعليق قبول أوراق اعتماد سفراء الدول الجدد. فلا بدّ من السعي الدؤوب لدى الجهات المعنيّة وأصحاب القرار، من أجل التوصّل في أسرع ما يمكن إلى إنتخاب رئيس للجمهورية. ونتمنّى أن تساهم في هذا الحلّ الحواراتُ القائمة بين الأطراف السياسية المتنازعة.

***

كما يحمل الكاردينال الراعي لبنان في عقلهِ وقلبه على رغم الوعكة الصحية البسيطة التي ألمَّت به، ألف الحمد لله على سلامته، فهو أُدخِل منذ أسبوع إلى مستشفى سيدة المعونات في جبيل حيث خضع لعمليةٍ جراحيةٍ بسيطة في جانبي الرأس، بحسب البيان الذي صدر عن الصرح وقد تكلَّلت العملية بالنجاح وتماثل للشفاء وعاود نشاطه، بالرغم من مطالبة الأطباء بالراحة ولو لفترة أسبوع. إنها قوة الإيمان التي تجعلُ صاحب الغبطة يقوى على الوعكة فيخرج من المستشفى لا إلى النقاهة، بل إلى العمل ثم إلى روما ليواكب مع الكرادلة الشؤون الكنسية ومع البابا الشأن الوطني اللبناني.

والكاردينال الراعي لن يكتفي بهذه الصرخة، بل سيحمل هذه الملفات معه إلى روما، حيث سيشاركُ في إجتماعات الكرادلة في 12 و 13 من الشهر المقبل، على أن يكون هناك قبل عيد مار مارون ليترأس القداس الإحتفالي بعيد شفيع الطائفة المارونية.

***

في موازاة هذا الإهتمام وهذا الإنشغال، أين تقف الحكومة؟

الرئيس تمام سلام لا يبدو في وضعٍ مريح. فهو يتذكَّر كيف أنَّ ولادة الحكومة استغرقت أحد عشر شهراً، ولم تكد الحكومة تقلع حتى بدأ الشغور في موقع رئاسة الجمهورية بدل أن يبدأ العمل، وهذا الواقع مستمر حتى اليوم وهو قابل للإستمرار أكثر في ظلِ المراوحةِ القائمة، فهل تُثمر حركة الإتصالات الدولية بدءاً بهذا المشهد؟