IMLebanon

رهينة لبنانية في فرنسا

 

 

منذ الثامن والعشرين من تشرين الثاني الماضي، يقبع اللبناني مازن الأتات في أحد سجون العاصمة الفرنسية باريس، من دون أن يوجّه القضاء الفرنسي إليه أي تهمة. هو أصلاً غير مدّعى عليه في فرنسا. الشرطة الفرنسية أوقفته بناءً على طلب الولايات المتحدة الأميركية التي تتهمه بدعم الإرهاب (حزب الله) وخرق العقوبات الأميركية على إيران وسوريا وروسيا. الأتات رجل أعمال كان ناشطاً في مجالي النفط والسلاح. والحديث هنا عن الوساطة بين الدول، بصورة شرعية، لبيع السلاح، لا عن بيع الأسلحة في السوق السوداء. وبناءً على معلومات أميركية أيضاً، أُوقِف في فرنسا مطلع عام 2016، ضمن مجموعة غالبية أفرادها من اللبنانيين، بتهمة تبييض الأموال. وبعد أكثر من عامين من المحاكمة (قضى جزءاً كبيراً منها وهو في حالة إطلاق السراح المشروط)، برّأه القضاء الفرنسي من تهمة تبييض الأموال، وصار رجلاً حراً. خرج من قاعة المحكمة، فإذا بقوة من الشرطة الفرنسية تعتقله، بناءً على الطلب الأميركي. ومنذ ذلك الحين، ينتظر قرار القضاء الفرنسي لتسليمه للولايات المتحدة. يوم الأربعاء المقبل، سيمثل أمام قاضٍ فرنسي للاستماع إلى إجاباته بشأن الطلب الأميركي، ومن المنتظر أن يبتّ بطلب إخلاء سبيله. في المحاكمة السابقة، لم يخالف الأتات أي شرط من شروط إخلاء سبيله.

كل «الأدلة» الأميركية المقدّمة ضدّه لا تعدو كونها ربطاً مفتعلاً بينه وبين حزب الله. على سبيل المثال، كان الأتات وسيطاً لشراء نفط إيراني. لكن لا يوجد أي نص قانوني يسمح بتوقيفه في فرنسا بناءً على هذه «الجريمة». لكن الأميركيين اتهموه بدعم حزب الله، ودليلهم على ذلك أن إيران تدعم الحزب! على هذا المنوال، جُمع الملف ضد الرجل الذي لا يمكن وصف وضعه القانوني إلا بأنه رهينة اليوم في فرنسا.

 

السلطة السياسية اللبنانية تتعامل مع القضية كما لو أنها شأن قضائي!

 

وكيله القانوني المحامي الفرنسي ويليام جولييه، يرى أن «الأدلة» الأميركية رُكِّبَت لمنح القضاء الفرنسي ما يتيح له توقيف موكله. «فالقانون الأميركي يجرّم من يخرق العقوبات على شراء النفط الإيراني. لكن القانون الفرنسي لا يرى في ذلك جرماً، فكان لا بد من أن يربط الأميركيون الأعمال التجارية لموكلي بحزب الله بصورة غير مباشرة، لكي يقولوا إنه يدعم منظمة إرهابية. ولأن حزب الله ليس برمّته منظمة إرهابية في نظر فرنسا، جرى الربط بين مازن وأفراد يُزعم أنهم ينتمون إلى الجناح العسكري في الحزب».

ما يجري لا يعدو كونه «بلطجة أميركية»، كما حالات سابقة (قاسم تاج الدين على سبيل المثال لا الحصر)، للربط بين موقوف لبناني وحزب الله وسوريا وإيران وروسيا. لكن المشكلة اليوم أن السلطة السياسية اللبنانية تتعامل مع القضية كما لو أنها شأن قضائي في دولة تحترم القوانين الدولية، لا مع قضية سياسية تريد من خلفها واشنطن أسر مواطن لبناني (برّأه القضاء الفرنسي)، لاستخدامه في الحرب على المقاومة. المطلعون على تفاصيل القضية يجزمون بأن الذنب الوحيد للرجل الذي يقبع في السجن الإفرادي منذ أكثر من 6 أشهر، أنه رفض عرضاً أميركياً لـ«التعاون» مع واشنطن. والتعاون هنا لا يعني سوى العمل جاسوساً ضد أهل بلده.